الأحد، سبتمبر 16، 2012

مختصر رسالة في حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الكفار



 بسم الله الرحمن الرحيم


مختصر رسالة
في حكم استخدام
أسلحة الدمار الشامل
ضد الكفار

تأليف الشيخ
ناصر بن حمد الفهد
ربيع الأول / 1424 هـ
مقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
فقد سألني أحد الإخوة الأفاضل - وفقه الله - ممن يكتب في الشبكة وقد رمز لنفسه باسم (أخو من طاع الله) عن حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل، وفيما يلي نص السؤال مع الإجابة:
* * *
"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
لا يخفى ما نُشر في وسائل الإعلام عن نيَّة القاعدة ضربَ أمريكا بأسلحة الدمار الشامل، وبما أنَّ ما يسمَّى بأسلحة الدّمار الشامل، من نوازل العصر الحديث، ولم نجد من تكلَّم فيها من المعاصرين:
فما حكم استعمال المجاهدين لها؟
وإذا قيل بالجواز: فهل تجوز مطلقًا؟
أم للضرورة؟ كأن لا يندفع شرُّ العدوِّ إلاَّ بها، أو يخشى أن يستعملها إن لم يسبق المجاهدون إلى ضربه بها؟ وهل هي مناقضة لمقصود الإنسان من عمارة الأرض أم لا؟
وهل هي داخلة في قوله تعالى: (ليفسد فيها ويهلك الحرث والنّسل)؟ أم أنَّ الآية محمولة على فعله بغير حقٍّ كالآيات التي جاءت في ذمِّ القتل ونحوه؟

الإجابه
اعلم - أخي الكريم - أن كلمة (أسلحة الدمار الشامل) غير محررة، فهم يقصدون بها الأسلحة النووية أو الكيماوية أو البيولوجية دون غيرها، فلو استخدم أحد شيئا من هذه الأسلحة فقتل ألفا من الناس لشنوا عليه التهم والحروب الإعلامية وأنه استخدم أسلحة (محرمة دوليا)، ولو استخدم قنابل شديدة الانفجار تزن الوحدة منها (7 طن) فقتل من جرائها ثلاثة الآف أو أكثر لكان استخدم الأسلحة المسموح بها دوليا.

--
يقصد الشيخ القنابل التى القيت على تورا بورا و التى كانت تتسبب فى تفريغ الهواء من داخل الكهوف حتى يطحن عظم الانسان و يتحول الى جسد هلامى لحم دون عظم    (م . ج)
--
المبحث الأول: في مقدمات مهمة.
المبحث الثاني: في ذكر الأدلة على جواز استخدام هذه الأسلحة.
المبحث الثالث: في ذكر كلام أهل العلم في هذا الباب.
المبحث الرابع: شبهات وردود.



المبحث الأول
مقدمات مهمة

وسأذكر هنا ثلاث مقدمات مختصرة هي كالمدخل لهذه الرسالة:

المقدمة الأولى: أن التحريم لله سبحانه لا لغيره من البشر:

قال تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (النحل:116).

يقول ابن كثير رحمه الله تعالى (2/591): (نهى الله تعالى عن سلوك سبيل المشركين الذين حللوا وحرموا بمجرد ما وصفوه واصطلحوا عليه من الأسماء بآرائهم من: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، وغير ذلك مما كان شرعا لهم ابتدعوه في جاهليتهم) اهـ.

قلت: ومن ذلك ما في شرائع الكفار اليوم مثل قولهم عن الشيء: محرم دوليا، أو مناقض للشرعية الدولية، أو يمنعه القانون الدولي، أو مخالف لميثاق حقوق الإنسان، أو لميثاق جنيف، ونحو ذلك، ومنه موضوع هذه الرسالة حيث يقولون عنها: الأسلحة المحرمة دوليا!

وهذا أمر ظاهر عند المسلمين لا يحتاج إلى استدلال.

أريد أن أنبه هنا إلى أمرين:

الأمر الأول: أن قولهم (أسلحة الدمار الشامل) يعنون بها الأسلحة النووية والجرثومية والكيماوية، فعندهم أن أي استخدام لشيء من هذه الأسلحة فهو انتهاك للقانون الدولي فلو أن دولة قامت بضرب أخرى بأطنان القنابل (التقليدية) فقتلت منها عشرات الآلاف فإن هذا استعمال لأسلحة مجازة دولياً

الأمر الثاني: أن الذين يتشدقون بمحاربة انتشار أسلحة الدمار الشامل كأمريكا وبريطانيا هم أول من استخدم هذه الأسلحة، فبريطانيا استخدمت السلاح الكيماوي ضد العراقيين في الحرب العالمية الأولى، وأمريكا استخدمت السلاح النووي ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية، كما أن ترسانتهم - مع اليهود - مليئة بهذه الأسلحة 
!
المقدمة الثانية: أن الأصل في القتل الإحسان:

فقد ثبت في الصحيح عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته).
قال النووي رحمه الله (شرح مسلم 13/107): (وقوله صلى الله عليه وسلم: "فأحسنوا القتلة "؛ عام في كل قتيل من الذبائح والقتل قصاصا وفى حد ونحو ذلك، وهذا الحديث من الأحاديث الجامعة لقواعد الإسلام).

وقال ابن رجب رحمه الله (جامع العلوم والحكم؛ ص 152): (والإحسان في قتل ما يجوز قتله من الناس والدواب إزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها وأرجاها من غير زيادة في التعذيب فإنه إيلام لا حاجة إليه... وأسهل وجوه قتل الآدمي ضربه بالسيف على العنق؛ قال الله تعالى - في حق الكفار –: "فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب"، وقال: "سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان").

والأحاديث في ذلك كثيرة، وكلها تدل على أن الأصل الإحسان في قتل من يجوز قتله وعدم الإسراف في ذلك.
إلا أن هذا الأصل له استثناءات، ومن هذه الاستثناءات موضوع المقدمة الثالثة...
المقدمة الثالثة: التفريق بين المقدور عليه وغير المقدور عليه:

فمن القواعد الثابتة في الشرع التفريق بين المقدور عليه وغير المقدور عليه، ويدل عليه قوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم)، وهذا مطرد في عامة أبواب الشريعة؛ سواء في أبواب العبادات أو أبواب المعاملات، وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم").

قال النووي رحمه الله على هذا الحديث (شرح صحيح مسلم 9/102): (هذا من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلم التي أعطيها صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيها ما لا يحصى من الأحكام؛ كالصلاة بأنواعها فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن...) اهـ.

وقد استنبط أهل العلم من هذه النصوص ونحوها قاعدة (لا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة 
).
المبحث الثاني
الأدلة على جواز استخدام أسلحة الدمار الشامل
تمهيد:

ذكرت في المبحث السابق أن الأصل هو الإحسان في القتل، ومن ذلك قتل الكفار، وهذا لا يكون إلا عند القدرة على ذلك، ولكن قد يكون الكفار في حال لا يمكن معه أن يقاوموا ويدفعوا عن بلاد الإسلام ويكف شرهم عن المسلمين إلا بأن يقصفوا بما يسمى بأسلحة الدمار الشامل على نحو ما يقرره أهل الخبرة والجهاد؛ فإذا رأى أهل الحل والعقد من المجاهدين بأن شر الكفار لا يندفع إلا بها جاز استعمالها ......والأدلة على جواز ذلك في هذه الحالة كثيرة، وهي على قسمين 
:
 القسم الأول: أدلة خاصة لعصر معين ولعدو معين:

وذلك مثل حال أمريكا في هذا الزمن؛ فإن مسألة ضربها بهذه الأسلحة جائز بدون ذكر أدلة القسم الثاني التالية (أدلة المشروعية العامة)؛ لأن الله سبحانه يقول (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)، ويقول تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، ويقول تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها)، والناظر في اعتداءات أمريكا على المسلمين وأراضيهم خلال العقود الماضية يخلص إلى جواز ذلك بالاستناد إلى باب (المعاملة بالمثل) فقط...... وقد جمع بعض الإخوة عدد قتلاهم من المسلمين بأسلحتهم المباشرة وغير المباشرة فوصل العدد إلى قريب من عشرة ملايين
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ... إلى أخر الآية
القسم الثاني: أدلة عامة لمشروعية هذا العمل مطلقاً إذا اقتضاه الجهاد في سبيل الله:

وهي النصوص التي تدل على جواز استخدام مثل هذه الأسلحة إذا رأى أهل الجهاد المصلحة في استعمالها، والأدلة على ذلك كثيرة وسأذكر منها ثلاثة:

الدليل الأول: النصوص التي تدل على جواز تبييت المشركين ولو أصيبت ذراريهم:


وقد ثبت مع ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان .
ولكن إذا جمعت بين هذه الأحاديث ظهر لك أن المنهي عنه قصدهم بالقتل، أما إذا كان قتلهم تبعا كحال البيات والإغارة وعند عدم التمكن من تمييزهم فلا بأس بذلك

قال الشافعي رحمه الله: (ومعنى نهيه عندنا - والله أعلم - عن قتل النساء والولدان أن يقصد قصدهم بقتل وهم يعرفون مميزين ممن أمر بقتله منهم، قال: ومعنى قوله "هم منهم" أنهم يجمعون خصلتين: أن ليس لهم حكم الإيمان الذي يمنع الدم، ولا حكم دار الإيمان الذي يمنع الغارة على الدار) .

وقد قال الإمام أحمد كما في (المغني 9/230): (لا بأس بالبيات، وهل غزو الروم إلا البيات، قال: ولا نعلم أحدا كره بيات العدو) اهـ 
.
الدليل الثاني: النصوص التي تدل على جواز حرق بلاد العدو، ومنها:

ما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير وقطع"، وفي ذلك نزل قوله تعالى: (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله)، وقد جاء في بعض الروايات عند الشيخين أن اسم الأرض المحروقة (البويرة) وفيها يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:

فهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير

قال الترمذي رحمه الله بعد روايته لهذا الحديث=اى حديث ائتها صباحا و ليس حديث بنى النضير == : (وهذا حديث حسن صحيح، وقد ذهب قوم من أهل العلم إلى هذا؛ ولم يروا بأسا بقطع الأشجار وتخريب الحصون، وكره بعضهم ذلك وهو قول الأوزاعي؛ قال الأوزاعي: ونهى أبو بكر الصديق يزيد أن يقطع شجرا مثمرا أو يخرب عامرا، وعمل بذلك المسلمون بعده......وقال أحمد: وقد تكون في مواضع لا يجدون منه بدا فأما بالعبث فلا تحرق )

مناقشة قول الاوزاعى

وقد ناقش الشافعي كلام الأوزاعي - رحمهما الله - في (الأم) 4/259 فقال:

(
أما الظن به - يعني أبا بكر رضي الله عنه - فإنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر فتح الشام، فكان على يقين منه، فأمر بترك تخريب العامر وقطع المثمر ليكون للمسلمين، لا لأنه رآه محرما؛ لأنه قد حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم تحريقه بالنضير وخيبر والطائف، فلعلهم أنزلوه على غير ما أنزله عليه، والحجة فيما أنزل الله عز وجل في صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم " اه، وناقشه غيره كالطبري والحافظ ابن حجر وابن العربي والشوكاني وغيرهم رحمهم الله جميعاً.
---
معنى ( البيات ، ويبيتون) ( أن يغار عليهم بالليل بحيث لا يعرف الرجل من المرأة والصبي )

البَيَات : يقال : أتاهم الأمْرُ بياتا : فَجْأَةً فى جوف الليل .
المعجم: المعجم الوسيط   (م . ج)
---
الدليل الثالث: النصوص التي تدل على جواز ضرب الأعداء بالمنجنيق ونحوها مما يعم الهلاك به؛ ومنها:


ما رواه أبو داود في المراسيل وغيره مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب على أهل الطائف المنجنيق .

روى سعيد بن منصور عن علقمة أيضاً أنهم غزو على عهد معاوية وكانوا يرمون بالمنجنيق في غزوتهم.

وقد اتفق أهل العلم على جواز رمي العدو بالمنجنيق ونحوه في الجملة.

ومن المعلوم أن حجر المنجنيق لا يميز بين النساء والذرية وغيرهم، كما أنه يدمر ما يأتي عليه من بناء أو غيره 
.
المبحث الثالث
كلام أهل العلم في هذا الباب
تمهيد:

سأذكر في هذا المبحث جملة من أقوال أهل العلم على اختلاف مذاهبهم ........و أ ريد أن أنبه إلى أمور قبل ذكر هذه الأقوال:

أولاً: إن كلام أهل العلم المذكور في هذا الباب إنما هو في (جهاد الطلب)، ومن المعلوم أن ما ثبت جوازه في جهاد الطلب فإنه يثبت في (جهاد الدفع) من باب أولى؛ لأن جهاد الدفع آكد وأعظم وجوباً بلا خلاف بين أهل العلم.

ثانياً: إن كلام أهل العلم على اختلاف مذاهبهم يدل دلالة صريحة على أن الانهزامية إنما جاءت مع هذا العصر، وأن شريعة الإسلام منها بريئة، وأن علماء الإسلام بريئون منها

ثالثاً: أن كلام أهل العلم هذا كان في تجويز أسلحة الدمار الشامل التي في عصرهم والتي تقتل الكفار مع ذراريهم، بل نص السيوطي من الشافعية على ذلك بقوله: (و "نصب عليهم المنجنيق" رواه البيهقي، وقيس به ما في معناه مما يعم الإهلاك به) اهـ.

رابعاً: أن كلام أهل العلم هنا أيضاً دال على جواز ما يسمى بالأسلحة الجرثومية؛ فإن منهم من نص على جواز رمي الكفار بالحيات والعقارب، وعلى جواز تسميم مياههم.

خامساً: أن أهل العلم اتفقوا في الجملة على ما سبق، ولكن فد يختلفون في بعض التفاصيل؛ ولكنهم لو اختلفوا في بعض ذلك فإنما يكون هذا عند السعة في جهاد الطلب، أما إذا اقتضت ضرورة الجهاد ذلك فلا ينبغي أن يكون هناك خلاف.

أولاً: من كلام الحنفية:

قال السرخسي نقلا عن محمد بن الحسن (شرح السير الكبير 4/1467):

(
قال: ولا بأس للمسلمين أن يحرقوا حصون المشركين بالنار، أو يغرقوها بالماء، وأن ينصبوا عليها المجانيق، وأن يقطعوا عنهم الماء، وأن يجعلوا في مائهم الدم والعذرة والسم حتى يفسدوه عليهم، لأنا أمرنا بقهرهم وكسر شوكتهم؛ وجميع ما ذكرنا من تدبير الحروب مما يحصل به كسر شوكتهم، فكان راجعا إلى الامتثال، لا إلى خلاف المأمور، ثم في هذا كله نيل من العدو، وهو سبب اكتساب الثواب، قال الله تعالى: "ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح"، ولا يمتنع شيء من ذلك ما يكون للمسلمين فيهم من أسرى، أو مستأمنين، صغارا أو كبارا، أو نساء أو رجالا، وإن علمنا ذلك؛ لأنه لا طريق للتحرز عن إصابتهم مع امتثال الأمر بقهر المشركين، وما لا يستطاع الامتناع منه فهو عفو) اهـ.

ثانياً: من كلام المالكية:

قال الخرشي (شرح خليل 3/113): (يجوز قتال العدو إذا لم يجيبوا إلى ما دعوا إليه بجميع أنواع الحرب؛ فيجوز قطع الماء عنهم ليموتوا بالعطش، أو يرسل عليهم ليموتوا بالغرق على المشهور، أو يقتلوا بالآلة: كضرب بالسيف، وطعن بالرمح، ورمي بالمنجنيق، وما أشبه ذلك من آلات الحرب) اهـ 
.
ثالثاً: من كلام الشافعية:


قال السيوطي في (أسنى المطالب 4/191): - وأصل الكلام لزكريا الأنصاري -:

("
و" يجوز "إتلافهم بالماء والنار"، قال تعالى: "وخذوهم واحصروهم"، و "حاصر صلى الله عليه وسلم أهل الطائف" رواه الشيخان، و "نصب عليهم المنجنيق" رواه البيهقي، وقيس به ما في معناه مما يعم الإهلاك به ) اهـ 
.
رابعاً: من كلام الحنابلة:


قال الشيخ منصور البهوتى (شرح منتهى الإرادات 1/623):

("
و" يجوز "رميهم" أي الكفار "بمنجنيق" نصا. لأنه صلى الله عليه وسلم "نصب المنجنيق على الطائف" رواه الترمذي مرسلا، ونصبه عمرو بن العاص على الإسكندرية، فظاهر كلام أحمد جواز مع الحاجة وعدمها. "و" يجوز رميهم "بنار، و" يجوز "قطع سابلة" أي طريق، "و" قطع "ماء" عنهم، "و فتحه ليغرقهم، و" يجوز "هدم عامرهم"، وإن تضمن إتلاف، نحو نساء وصبيان؛ لأنه في معنى التبييت) اهـ 
.
خامساً: من كلام الظاهرية:

قال ابن حزم في (المحلى 5/346):

(
جائز تحريق أشجار المشركين، وأطعمتهم، وزرعهم، ودورهم، وهدمها، قال الله تعالى: "ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين"، وقال تعالى: "ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح"، وقد أحرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير - وهي في طرف دور المدينة - وقد علم أنها تصير للمسلمين في يوم أو غده) اهـ 
.
سادساً: من كلام غيرهم من المجتهدين:

قال الشوكاني في (نيل الأوطار 8/78):

-
بعد ذكره لمجموعة أحاديث منها حديث ابن عمر السابق -: (والأحاديث المذكورة فيها دليل على جواز التحريق في بلاد العدو، قال في الفتح - ثم نقل كلام الحافظ السابق وأقره - ثم قال: ولا يخفى أن ما وقع من أبي بكر لا يصلح لمعارضة ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لما تقرر من عدم حجية قول الصحابي) اهـ.


المبحث الرابع
شبهات وردود
تمهيد:

لعل أبرز الشبهات التي ترد في هذا الباب ما يلي:

الشبهة الأولى: تحريم قتل النساء والصبيان.
الشبهة الثانية: تحريم الإفساد في الأرض.
الشبهة الثالثة: أن هذه الأسلحة ستقتل قسماً من المسلمين 
.
الشبهة الأولى: تحريم قتل النساء والصبيان:

ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان"، وثبت في صحيح مسلم عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا: ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا)، وغيرها من النصوص وكلها تدل على تحريم قتل النساء والصبيان

والجواب عن هذه الشبهة أن يقال:
--

قال الشافعي رحمه الله (الرسالة ص 299): (ومعنى نهيه عندنا - والله أعلم - عن قتل النساء والولدان أن يقصد قصدهم بقتل وهم يعرفون مميزين ممن أمر بقتله منهم، قال: ومعنى قوله "هم منهم" أنهم يجمعون خصلتين: أن ليس لهم حكم الإيمان الذي يمنع الدم، ولا حكم دار الإيمان الذي يمنع الغارة على الدار) اهـ .

ولا يمكن تمييزهم عند ضربهم بهذه الأسلحة، فحكم ذلك كحكم التبييت وضربهم بالمنجنيق ونحو ذلك، وقد نص بعض أهل العلم - في المبحث السابق - على أنه يقاس على المنجنيق غيره مما يعم الإهلاك به كقول السيوطي: (وقيس به ما في معناه مما يعم الإهلاك به) اهـ.
الشبهة الثانية: تحريم الإفساد في الأرض:

قالوا: إن استخدام مثل هذه الأسلحة سيفسد الأرض، ويهلك الحرث والنسل، وقد نهى الله سبحانه عن ذلك: فقال تعالى: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) (لأعراف: من الآية56)، وقال تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة:205).

والجواب على هذه الشبهة من وجهين:
--
الوجه الأول: أن هذه الشبهة أول من ذكرها اليهود، وأجاب عنها الله سبحانه وتعالى في القرآن، فقد روى ابن إسحاق في السيرة عن يزيد بن رومان، وأبو داود في المراسيل عن عبدالله بن أبي بكر، وغيرهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بنى النضير فتحصنوا، فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل، وحرّق، فنادوا - حين رأوا النخل تقطع وتحرق -: يا محمد! قد كنت تنهى عن الفساد، فما بال قطع النخل وحرقه؟ فأنزل الله (ما قطعتم من لينة) الآية.

الوجه الثاني: أنه إذا تعارضت مفسدتان دفعت أعظمهما بارتكاب أدناهما بالاتفاق
-----
تنبيه

الاصل ان كل هذا منهى عنه و لا يشرع الا للحاجه و الضرورة فقط التى يقدرها اهل الحل و العقد من المجاهدين
و ان كل ما سبق فى النهى انما هو فى جهاد الطلب
وجهاد الدفع أعظم وجوباً بالإجماع، وما جاز في جهاد الطلب جاز في جهاد الدفع من باب أولى.   (م . ج)
---- 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الفتاوى الكبرى: 4/520):

(
وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم) اهـ 
.
الشبهة الثالثة: أن هذه الأسلحة ستقتل قسماً من المسلمين:


قالوا: إن بلاد الكفار لا تخلو من المسلمين، إما من التجار، أو السياح، أو المقيمين، أو غير ذلك، واستخدام مثل هذه الأسلحة سيقتل هؤلاء، ومن المجمع عليه حرمة دماء المسلمين، وقد قال تعالى: (وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَأُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) (الفتح: من الآية25)، فقد صرف الله سبحانه النبي صلى الله عليه وسلم عن مكة خشية على المسلمين المختلطين بالكفار.

والجواب من ثلاثة وجوه:

الوجه الأول:

أن هذه الآية استدل بها الأوزاعي رحمه الله وغيره على الكف عن الكفار إذا كان فيهم مسلمون يخشى عليهم - في جهاد الطلب – وليس في هذه الآية ما يدل على التحريم كما هو ظاهر، وقد رد على هذا الاستدلال جملة من أهل العلم:

فقال أبو يوسف رحمه الله في (الرد على سير الأوزاعي) ص 66 وما بعدها:

(
تأول الأوزاعي هذه الآية في غير موضعها، ولو كان يحرم رمي المشركين وقتالهم إذا كان معهم أطفال المسلمين لحرم ذلك أيضا منهم إذا كان معهم أطفالهم ونساؤهم؛ فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والأطفال والصبيان، وقد حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهل الطائف، وأهل خيبر، وقريظة، والنضير، وأجلب المسلمون عليهم فيما بلغنا أشد ما قدروا عليه، وبلغنا أنه نصب على أهل الطائف المنجنيق.......)

ذكر الشافعي رحمه الله في (الأم) 7/349 قول الأوزاعي، ثم أتبعه برد أبي يوسف السابق، ثم قال:

(
والذي تأول الأوزاعي يحتمل ما تأوله عليه، ويحتمل أن يكون كفه عنهم بما سبق في علمه من أنه أسلم منهم طائفة طائعين، والذي قال الأوزاعي أحب إلينا إذا لم يكن بنا ضرورة إلى قتال أهل الحصن،..كان تركهم إذا كان فيهم المسلمون أوسع وأقرب من السلامة من المأثم في إصابة المسلمين فيهم، ولكن لو اضطررنا إلى أن نخافهم على أنفسنا إن كففنا عن حربهم قاتلناهم ولم نعمد قتل مسلم، فإن أصبناه كفرنا ، وما لم تكن هذه الضرورة فترك قتالهم أقرب من السلامة وأحب إلي) اهـ.

مسألة الكفارة في هذا الموضع مختلف فيها، فالمسألة فيها ثلاثة أقوال:

الأول: تجب الدية والكفارة: وهو المشهور عن المالكية والشافعية.
والثاني: تجب الكفارة دون الدية: وهو المشهور عن الحنابلة، وهو قول الثوري.
والثالث: ليس فيه كفارة ولا دية: وهو المشهور عن الحنفية.
الوجهين الاخرين فى نفس المعنى
انتهت الرسالة
هذا؛ وأسأل الله سبحانه أن ينفع بما جمعته، وأن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم،.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ما بين معقوفين (م . ج) هو من توضيح اضفته فقط لى و ليس للشيخ ناصر الفهد –فك الله اسره -
بقلم :
محمد جاب الله

ليست هناك تعليقات: