الأحد، نوفمبر 04، 2012

(مختصر السلسبيل فى قلة سالكى السبيل )



(مختصر السلسبيل فى قلة سالكى السبيل )
لفضيلة الشيخ ترك البنعلى حفظه الله

http://www.youtube.com/watch?v=7kFxWpYP7w0

         إلى الله نشكو غربة الدين والهدى**وفقدانه من بين من راح أو غدا
        فعاد غريبا مثل ما كان قد بدا**على الدين فليبكي ذوو العلم والهدى
        فقد طمست أعلامه في العوالم

        حوى المال أنذال الورى ورذالهم **وقد عم في هذا الزمان ضلالهم
        ولا ترتضي أقوالهم وفعالهم **وقد صار إقبال الورى واحتيالهم
        على هذه الدنيا وجمع الدراهم

        فذو المال لا تسأل أخص خدينهم **وقد نفق الجهل العظيم بحينهم
        بإعراضهم عن دينهم ومدينهم **وإصلاح دنياهم بإفساد دينهم
        وتحصيل ملذوذاتهم والمطاعم

        محبون للدنيا محبون قيلها **ولو معرضا عن دينه ولها لها
        وكلهم لا شك دندن حولها **يعادون فيها بل يوالون أهلها
        سواء لديهم ذو التقى والجرائم

        تظنون أن الدين لبيك في الفلا **وفعل صلاة والسكوت عن الملا
        وسالم وخالط من لذا الدين قد قلا **وما الدين إلا الحب والبغض والولا
        كذاك البراء من كل غاو وآثم

        فأفرادنا ظنوا النجا في التنسك **وغالبنا منهاجهم في التسلك
        وملة إبراهيم من خير مسلك **وليس لها من سالك متمسك
        بدين النبي الأبطحي بن هاشم

        فلسنا نرى ما حل في الدين وامّـحت ** به الملة السمحاء إحدى القواصم
        عسى توبة تمحو ذنوبا لمرتجي ** عسى نظرة تسلك بنا خير منهج
        عسى وعسى من نفحة علها تجي ** فنأسى على التقصير منا ونلتجي
        إلى الله في محو الذنوب العظائم
       
        نراعي أخا الدنيا فذاك هو الأخ ** ولو كان في كل المعاصي ملطخ
        ألسنا بأوضار الخطا نتضمخ ** ألسنا إذا ما جاءنا متضمخ
        بأوضار أهل الشرك من كل ظالم

        أتيناه نسعى من هناك ومن هنا ** وفي عصرنا بعض يرد ولو عنى
        أتينا سراعا والرضى عنه حثنا ** نهش إليهم بالتحية والثنا
        ونهرع في إكرامهم بالولائم

        إذا يرتضى في الدين هل من معلم ** أفق أيها المغبون هل من تندم
        أيرضى بهذا كل أبسل ضيغم **وقد بري المعصوم من كل مسلم
        يقيم بدار الكفر غير مصارم

        ولا منكر أقوالهم يا ذوي الهدى **ولا مبغض أفعال من ضل واعتدى
        ولا آمر بالعرف من بينهم غدا **ولا مظهر للدين بين ذوي الردى
        فهل كان منا هجر أهل الجرائم

        وهل كان في ذات المهيمن ودنا ** وهل نحن قاتلنا الذي عنه صدنا
        وهل نحن أبعدنا غدا والذي دنا ** ولكنما العقل المعيشي عندنا
        مسالمة العاصينا من كل آثم

        أيا وحشتنة من بين تلك المنازل ** ويا وصمة للدين من كل نازل
        تكلمت الأوباش وسط المحافل ** فيا محنة الإسلام من كل جاهل
        ويا قلة النصار من كل عالم

        فنفسك فخزمها إذا كنت حازما ** ومن بابه لا تلتفت كن ملازما
        وصبر فرب العرش للشرك هازما **وهذا أوان الصبر إن كنت حازما
        على الدين فاصبر صبر أهل عزائم
        
        ومد يدا لله كل عشية **وسل ربك التثبيت في كل لحظة
        على ملة الإسلام أزكى البرية ** فمن يتمسك بالحنيفية التي
        أتتنا عن المعصوم صفوة آدم

        وعض عليها بالنواجذ إذ غدا ** وحيدا من الخلان ما ثم مسعدا
        على قلة النصار اصبح واحدا ** له أجر خمسين أمرا من ذوي الهدى
        من الصحب أصحاب النبي الأكارم

        وكن عن حرام في المآكل ساغبا **ولا تمش من بين العباد مشاغبا
        ومد يدا نحو المهيمين طالبا **ونح وابك واستنصر بربك راغبا
        إليه فإن الله أرحم راحم

        وما الدين إلا الحب والبغض والولا ** كذاك البراء من كل غاو وآثم
        وما الدين إلا الحب والبغض والولا ** كذاك البراء من كل غاو وآثم
           وما الدين إلا الحب والبغض والولا ** كذاك البراء من كل غاو وآثم
      

        قال رسول الله : «بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء» رواه مسلم وابن ماجة

        قال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في قواعد الجاهلية:
"إن من أكبر قواعدهم الاغترار بالأكثر ويحتجون به على صحة الشيء، ويستدلون على بطلان الشيء بغربته وقلة أهله!".اهـ [مسائل الجاهلية (مسألة 5)].


        عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي قال: «إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها» رواه مسلم،

        ورواه الحافظ محمد بن وضاح في كتاب "البدع والحوادث" ولفظه: «بدأ الإسلام غريبا ولا تقوم الساعة حتى يكون غريبا، فطوبى للغرباء حين يفسد الناس، ثم طوبى للغرباء حين يفسد الناس».

        عن أنس بن مالك عن رسول الله قال: «إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء» رواه ابن ماجة.

        عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : «إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء» قال: قيل: ومن الغرباء؟ قال: «النّزّاع من القبائل» رواه الإمام أحمد وابنه عبد الله

        عن سعد بن أبي وقاص سمعت رسول الله يقول: «إن الإيمان بدأ غريبا وسيعود كما بدأ، فطوبى يومئذ للغرباء إذا فسد الناس، والذي نفس أبي القاسم بيده ليأرزن الإيمان بين هذين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها» رواه الإمام أحمد.

        عن سلمان الفارسي أن رسول الله قال: «إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء» رواه الطبراني.

        عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله : «إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء» قيل: مَن الغرباء يا رسول الله؟ قال: «الذين يصلحون إذا فسد الناس» رواه الطبراني.

        عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله قال: «إن الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها، وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأرويّة من رأسالجبل، إن الدين بدأ غريبا ويرجع غريبا، فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي» رواه الترمذي

        قال رسول الله : «إن هذا الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء» قيل: يا رسول الله، مَن الغرباء؟ قال: «الذين يُحيون سنتي من بعدي ويُعلِّمونها عباد الله».

        عن بكر بن عمرو المعافري قال: قال رسول الله طوبى للغرباء الذين يتمسكون بالكتاب حين يُترك ويعملون بالسنة حين تُطفأ» رواه الحافظ محمد بن وضاح.

        عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ذات يوم ونحن عنده: «طوبى للغرباء» فقيل: مَن الغُرباء يا رسول الله؟ قال: «ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم» رواه الإمام أحمد والطبراني.

        ورواه الحافظ محمد بن وضاح بلفظ: «من يبغضهم أكثر ممن يحبهم»، وعنده في أوله: «طوبى للغرباء» ثلاث مرات.
        وكذلك في روايته للإمام أحمد: «طوبى للغرباء» ثلاث مرات.

        قال رسول الله : «أحب شيء إلى الله الغرباء» قيل: ومَن الغُرباء؟ قال: «الفرَّارون بدينهم، يبعثهم الله يوم القيامة مع عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام» رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد الزهد
       
        قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
"إياك أن تغتر بما يغتر به الجاهلون، فإنهم يقولون: لو كان هؤلاء على حق لم يكونوا أقل الناس عدداً، والناس على خلافهم!
        فاعلم أن هؤلاء هم الناس، ومن خالفهم فمشبهون بالناس، وليسوا بناس، فما الناس إلا أهل الحق؛ وإن كانوا أقلهم عدداً".اهـ
       
        قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
 "فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون ولقلتهم في الناس جداً سُمُّوا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات.
        فأهل الإسلام في الناس غرباء. والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء. وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة -الذين يميزونها من الأهواء والبدع- منهم غرباء. والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين. هم أشد هؤلاء غربة. ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً، فلا غربة عليهم، وإنما غربتهم بين الأكثرين".اهـ [مدارج السالكين].
       
        قال الشيخ العلامة حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله:
 "وأما الغرباء فهم أهل السنة والجماعة، وهم الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية من ثلاث وسبعين فرقة كلها تنتسب إلى الإسلام، ووراء ذلك الأدعياء الذين ينتسبون إلى الإسلام، ويدّعونه وهم عنه بمعزل، فمنهم فئام قد لحقوا بالمشركين، وفئامٌ يعبدون الأوثان، وفئامٌ من الدهرية، وعباد الطبيعة، وفئامٌ من المعطلة والجهمية، وأفراخ القرامطة والباطنية، والحلولية والاتحادية، وغلاة الصوفية، والروافض، فهؤلاء أدعياء الإسلام، وما أكثرهم لا كثرهم الله.
        فالفرقة الناجية بين جميع المنتسبين إلى الإسلام كالشعرة البيضاء في الجلد الأسود، فهم غرباء بين المنتسبين إلى الإسلام؛ فضلاً عن أعداء الإسلام من سائر الأمم، وهم في غربتهم متفاوتون، فأهل الإسلام غرباء في الناس، وأهل الإيمان غرباء في المسلمين، وأهل العلم بالكتاب والسنة غرباء في المؤمنين، والداعون منهم إلى الخير؛ الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر؛ الصابرون على أذى المخالفين لهم أشد غربة، وقليلٌ ما هم. قال علي رضي الله عنه فيهم: أولئك الأقلون عدداً، الأعظمون عند الله قدراً".اهـ [غربة الإسلام 1/125-126]
       
        عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءَ نصرُ اللهِ والفتحُ ورأيت الناسَ يدخلون في دين الله أفواجاً) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليخرجنَّ منه أفواجاً كما دخلوا فيه أفواجاً) رواه الحاكم في مستدركه وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".اهـ

        وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس دخلوا في دين الله أفواجاً، وسيخرجون منه أفواجاً) [رواه أحمد].
      
        (أَلم تَرَ إلى الذينَ خَرجوا مِن دِيارهِم وهُم أُلُوفٌ حَذَرَ المَوتِ فَقَال لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُم أَحياهُم إنَّ اللهَ لذُو فضلٍ على الناسِ ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يَشكُرُونَ (243)).

        قال الإمام الماوردي رحمه الله:
 "(حذر الموت) أنهم فروا من الجهاد. وهذا قول عكرمة والضحاك".اهـ [النكت والعيون 1/312].
       
        قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة، وهو على ذلك) وفي رواية: (لن يبرح هذا الدين قائماً، يُقاتل عليه عصابة من المسلمين، حتى تقوم الساعة)

        عن معاوية رضي الله عنه يرفعه: (لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم و لا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك) [البخاري 3641].

        عن جابر بن سمرة رضي الله عنه يرفعه: (لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة) [مسلم 13/66].

        • عن جابر يرفعه: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) [مسلم 13/66].

        و في رواية النسائي (3/214) عن سلمة بن نفيل الكندي قال: كنت جالسا عند رسول الله فقال رجل: يا رسول الله أذال الناس الخيل ووضعوا السلاح وقالوا لا جهاد قد وضعت الحرب أوزارها فأقبل رسول الله بوجهه وقال: (كذبوا الآن جاء القتال ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق و يزيغ الله لهم قلوب أقوام و يرزقهم منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعد الله والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وهو يوحى إلي أني مقبوض غير ملبث وأنتم تتبعوني أفنادا يضرب بعضكم رقاب بعض و عقر دار المؤمنين الشام).

        عن المغيرة يرفعه: (لا يزال ناس من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله) [أحمد 4/248].

        عن معاوية يرفعه: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين و لا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة) [مسلم 13/ 67].

        عن معاوية يرفعه: (لا تقوم الساعة إلا وطائفة من أمتي ظاهرون على الناس ، لا يبالون من خذلهم و لا من نصرهم) [أخرجه ابن ماجة].
       
كذبوا الآن جاء القتال ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق
        
        قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وقد تـكـون الغربة في بعض شــرائـعه، وقد يكون ذلك في بعض الأمكنة. ففي كثير من الأمكنة يخفى عليهم من شرائعه ما يـصـير بـه غريباً بينهم لا يعرفه منهم إلا الواحد بعد الواحد. ومع هذا فطوبى لمن تمسك بالشريعة كما أمر الله ورسوله".اهـ
       
        فاصدع أخا الإسلام، بطيب الكلام، وإلا فلزم الصمت، ولا تقل الباطل رهبة من الخلق أو رغبة في سحت! ولقد روي بسند صحيح مستقيم، عن أنس من قول لقمان الحكيم: "الصمت حكمة، وقليلٌ فاعله".
       
ولستُ أُبالي حين أُقتل مسلماً
        على أيِّ جنبٍ كان في الله مصرعي!

        وذلك في ذات الإله وإن يشأ
        يبارك على أوصال سِلوٍ مُمّزعِ
       
قال الله تعالى: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)) [النساء].

        قال الإمام ابن كثير رحمه الله:
"يأمر تعالى عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يباشر القتال بنفسه ومن نكل عنه فلا عليه منه ولهذا قال: (لا تكلف إلا نفسك)
      
        عن أبي إسحاق قال:
سألت البراء بن عازب عن الرجل يلقى المائة من العدو فيقاتل فيكون ممن قال الله فيه: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)؟ قال: قد قال الله تعالى لنبيه: (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين).
        .
        قال تعالى (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)).

        فالحكم في الدنيا وفي الدين، يجب أن يكون لله رب العالمين، فلا يصح القضاء، ولا يكون الإفتاء، إلا بكتاب الله، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال الإمام يونس بن عبيد رحمه الله: "ليس شيء أغرب من السنة وأغرب منها من يعرفها".اهـ [كشف الغربة في وصف أهل الغربة ص5]. قلت: وأغرب ممن يعرفها من يحكم بها!
       
        قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
 "أعظم ما تكون غربته –أي: غربة الدين- إذا ارتد الداخلون فيهِ عنه، وقد قال تعالى: (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) فهؤلاء يقيمونه إذا ارتد عنه أولئك".اهـ [مجموع

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في "الكافية الشافية":
        لا توحشنك غربة بين الورى
        فالناس كالأموات في الجبّان

        أوَما علمت بأن أهل السنة ال
        غرباء حقاً عند كل زمان

        قل لي متى سلم الرسول وصحبه
        والتابعون لهم على الإحسان

        من جاهل ومعاند ومنافق
        ومحارب بالبغي والطغيان

        وتظن أنك وارث لهم وما
        ذقت الأذى في نصرة الرحمن

        كلاّ ولا جاهدت حق جهاده
        في الله لا بيدٍ ولا بلسان

        منتك والله المحال النفس فاس
        تحدث سوى ذا الرأي والحسبان

        لو كنت وارثه لآذاك الألى
        ورثوا عداه بسائر الألوان

قال الإمام أبو الوفاء بن عقيل رحمه الله:
"إذا أردت أن تعرف محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى ازدحامهم في أبواب المساجد، ولا في ضجيجهم بلبيك، ولكن انظر إلى مواطأتهم لأعداء الشريعة، فاللجا اللجا إلى حصن الدين والاعتصام بحبل الله المتين، والانحياز إلى أوليائه المؤمنين، والحذر الحذر من أعدائه المخالفين، فأفضل القرب إلى الله تعالى، مقت من حاد الله ورسوله وجهاده باليد واللسان والجنان بقدر الإمكان".اهـ [الدرر السنية - جزء الجهاد ص238].

        إن الذي جاء بالقوانين الوضعية إلى ديار المسلمين اليوم، كالذي جاء بالأصنام إلى ديار المسلمين بالأمس، حكمه حكمه في الدنيا والآخرة، وقد جاء في السنة الطاهرة؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبا بني كعب هؤلاء يجر قصبه في النار) [أخرجه البخاري ومسلم].

        قال شيخنا الحافظ سليمان بن ناصر العلوان فك الله أسره في شرح الناقض الثامن من نواقض الإسلام –
وهو مظاهرة المشركين ومناصرتهم على المسلمين-، قال: "ومظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين فتنة عظيمة قد عمت فأعمت، ورزية رمت فأصمت، وفتنة دعت القلوب فأجابها كل قلب مفتون بحب المشركين، ولا سيما في هذا الزمن، الذي كثر فيه الجهل، وقل فيه العلم، وتوفرت فيه أسباب الفتن، وغلب الهوى واستحكم، وانطمست أعلام السنن والآثار".اهـ [التبيان شرح نواقض الإسلام ص49].

        قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله:
 "رأيت أكثرَ الخلق في وجودهم كالمعدومين؛ فمنهم لا يعرف الخالق، ومنهم من يثبته على مقتضى حسّه، ومنهم من لا يفهم المقصود من التكليف..".اهـ [صيد الخاطر ص55-56].

        (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (103)).

        كان المشركون بالأمس يتقربون إلى الطواغيت بالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وأصبحوا اليوم يتقربون إلى الطواغيت بسجن وتعذيب الصادعين من أهل الإسلام!
        عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهُنَّ كثيرٌ من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام..) [متفق عليه]
        أعظم ما يكون من ضلال عن السبيل وصد، ما يقع فيه كثير من المنتسبين للإسلام، في هذه العصور والأعوام؛ كمحافظتهم على الطهارة الصغرى، وتفريطهم في الطهارة الكبرى! وإنكارهم للسفاهة الصغرى، ووقوعهم في السفاهة الكبرى! وتمسكهم ببعض العرى، ونقضهم لأوثق عرى الإيمان والعروة الوثقى!

        الطهارة الصغرى: التطهر من الحدث الأكبر والأصغر، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة: 222].

        وأما الطهارة الكبرى: فالتوحيد، فمن أشرك بالله تعالى فهو نجس وإن اغتسل بماء البحر! قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) [التوبة: 28].

        السفاهة الصغرى: ضعف التصرف في المال ونحوه، قال الله تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)) [النساء].

        وأما السفاهة الكبرى: فالشرك وموالاة أعداء الله تعالى، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) [البقرة: 130].

        أوثق عرى الإيمان: الولاء والبراء، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله)

        والعروة الوثقى: التوحيد المتضمن لشقي النفي والإثبات؛ الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، قال الله تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 256]. قال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "فالكفر بالطاغوت، الذي صرح اللهُ بأنه أمرهم به في هذه الآية –أي الآية 60 من سورة النساء-، شرط في الإيمان كما بينه تعالى في قوله: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)، فيفهم منه أن من لم يكفر بالطاغوتِ لم يتمسك بالعروة الوثقى، ومن لم يستمسك بها فهو مترد مع الهالكين". أهـ [أضواء البيان، تفسير آية رقم 10 من سورة الشورى].

        (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116)).

        فهذا بيان من الله صريح، بأن منهج الاحتجاج بقول الأكثرية غير صحيح، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَيُّهَا الرَّجُلُ مِنْ أَنْ تَكْرَهَ شَيْئًا مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ تَرُدَّهُ لِأَجْلِ هَوَاك أَوْ انْتِصَاراً لِمَذْهَبِك أَوْ لِشَيْخِك أَوْ لِأَجْلِ اشْتِغَالِك بِالشَّهَوَاتِ أَوْ بِالدُّنْيَا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُوجِبْ عَلَى أَحَدٍ طَاعَةَ أَحَدٍ إلَّا طَاعَةَ رَسُولِهِ وَالْأَخْذَ بِمَا جَاءَ بِهِ بِحَيْثُ لَوْ خَالَفَ الْعَبْدُ جَمِيعَ الْخَلْقِ وَاتَّبَعَ الرَّسُولَ مَا سَأَلَهُ اللَّهُ عَنْ مُخَالَفَةِ أَحَدٍ؛ فَإِنَّ مَنْ يُطِيعُ أَوْ يُطَاعُ إنَّمَا يُطَاعُ تَبَعاً لِلرَّسُولِ وَإِلَّا لَوْ أَمَرَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ مَا أُطِيعَ. فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَاسْمَعْ وَأَطِعْ وَاتَّبِعْ وَلَا تَبْتَدِعْ. تَكُنْ أَبْتَرَ مَرْدُوداً عَلَيْك عَمَلُك بَلْ لَا خَيْرَ فِي عَمَلٍ أَبْتَرَ مِنْ الإتباع وَلَا خَيْرَ فِي عَامِلِهِ".اهـ [مجموع الفتاوى 16/529].

        وقال الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
 "ودلت هذه الآية، على أنه لا يستدل على الحق، بكثرة أهله، ولا يدل قلة السالكين لأمر من الأمور أن يكون غير حق، بل الواقع بخلاف ذلك، فإن أهل الحق هم الأقلون عددا، الأعظمون -عند الله- قدرا وأجرا، بل الواجب أن يستدل على الحق والباطل، بالطرق الموصلة إليه".اهـ

        عن سبرة بن الفاكه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الشيطان قعد لابن آدم بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك؟! فعصاه فأسلم فغفر له. فقعد له بطريق الهجرة فقال له: تهاجر وتذر دارك وأرضك وسماءك؟! فعصاه فهاجر فقعد بطريق الجهاد فقال: تجاهد وهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال؟! فعصاه فجاهد). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فمن فعل ذلك فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة وإن وقصته دابة كان حقا على الله أن يدخله الجنة) [أخرجه النسائي، وابن حبان، والبيهقي، وحسنه الحافظ، وصححه الألباني].

        عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تعدون الشهيد فيكم؟) قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال: (إن شهداء أمتي إذا لقليل) قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: (من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد) [أخرجه مسلم].

        قال الشيخ العلامة سليمان بن سحمان رحمه الله:
        "لما عاد الإسلام غريباً كما بدأ، صار الجاهلون به، يعتقدون ما هو سبب الرحمة سبب العذاب، وما هو سبب الإِلفة والجماعة سبب الفرقة والاختلاف، وما يحقن الدماء سبباً لسفكها، كالذين قال الله فيهم: (وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) [الأعراف: 131].

        وكذلك الذين قالوا لأتباع الرسل: (إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) [يس 18-19].

        فمن اعتقد: أن تحكيم شريعة الإسلام يفضي إلى القتال والمخالفة، وأنه لا يحصل الاجتماع والإِلفة، إلا على حاكم الطاغوت، فهو كافر عدو لله ولجميع الرسل، فإن هذا حقيقة ما عليه كفار قريش، الذين يعتقدون أن الصواب ما عليه آباؤهم، دون ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم".اهـ [الدرر السنية 10/509-510].

        قال ابن مسعود رضي الله عنه:
 "يأتي على الناس زمان يكون المؤمن فيه أذل من الأمة". اهـ

        عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك. [أخرجه البخاري].


        قال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
"قال عمرو بن عنبسة: لما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قلت: ما أنت؟ قال: (نبي) قلت: وما نبي؟ قال: (أرسلني الله) قلت: بأي شيء أرسلك؟ قال: (بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يعبد الله لا يشرك به شيئاً) قلت: من معك على هذا؟ قال: (حر وعبد) ومعه يومئذ أبو بكر وبلال. فهذا صيغة بدوّ الإسلام، وعداوة الخاص والعام له، وكونه في غاية الغربة؛ ثم قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ) فمن تأمل هذا وفهمه، زالت عنه شبهات شياطين الإنس..".اهـ [الدرر السنية 10/6].

        في بيعة العقبة الثانية
        "فقمنا نبايعه، فأخذ بيده أسعد بن زرارة –وهو أصغر السبعين- فقال: رويداً يا أهل يثرب! إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه، وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله.. قالوا: يا سعد! أمط عنا يدك، فوالله! لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها".

        أنشد عبد الله بن حميد –أبو بكر المؤدب- رحمه الله:
        بدا الإسلام حين بدا غريباً
        وكيف بدا يعود على الدلائل

        فطوبى فيه للغرباء طوبى
        لجميع الآخرين وللأوائل

        كما قال الرسول فقيل من هم
        فقال: النازعون من القبائل

        عن سفيان الثوري رحمه الله قال:
 "استوصوا بأهل السنة؛ فإنهم غرباء".اهـ

        قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
        واصدع بما قال الرسول ولا تخف
        من قلة الأنصار والأعوانِ

        فالله ناصر دينه وكتابه
        والله ناصر عبده بأمانِ

وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائفة القائمة بأمر الله إلى قيام الساعة بأنهم: "لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم"..
        فإياك أن تتضرر بالمخالفين أو بخذلانهم للحق ولو كانوا الأكثرين.
       
        عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الآكلة على قصعتها) قال: قلنا: يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ؟ قال: (أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن) قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: (حب الحياة وكراهية الموت)، وفي رواية: (وكراهية القتال) [أخرجه أحمد].
        .
        قال الحسن:
 "المؤمن في الدنيا كالغريب، لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها، للناس حال وله حال".اهـ
        .
        أنشد أبو بكر المؤدب رحمه الله:
        وترى المؤمن في الدنيا غريباً مستفزا
        فهو لا يجزع من ذل ولا يطلب عزا

        وتراه من جميع الخلق خلو مشمئزا
        ثم بالطاعة ما عاش وبالخير ملزا

        قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
        "ولا تستصعب مخالفة الناس، والتحيز إلى الله ورسوله ولو كنت وحدك، فإن الله معك وأنت بعينه وكلاءته وحفظه لك، وإنما امتحن يقينك وصبرك، وأعظم الأعوان لك على هذا –بعد عون الله- التجرد من الطمع والفزع، فمتى تجردت منهما هان عليك التحيز إلى الله ورسوله وكنت دائماً في الجانب الذي فيه الله ورسوله، ومتى قام بك الطمع والفزع فلا تطمع في هذا الأمر ولا تحدث نفسك به!".اهـ [الفوائد 143-144].

        ! قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
        "كن في الجانب الذي فيه الله ورسوله وإن كان الناس كلهم في الجانب الآخر"

        عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: (عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه أحد..) [الحديث؛ أخرجه البخاري ومسلم].

        قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
"قال شيخ الإسلام: ((باب الغربة)) قال الله تعالى: (فلولا كان من القرون مِن قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلاَّ قليلاً ممن أنجينا منهم)).
        استشهاده بهذه الآية في هذا الباب: يدل على رسوخه في العلم والمعرفة، وفهم القرآن. فإن الغرباء في العالم: هم أهل هذه الصفة المذكورة في الآية".اهـ [مدارج السالكين 3/203].

        عن أبي موسى عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أنتم في الناس كالملح في الطعام) قال: ثم قال الحسن: "ولا يطيب الطعام إلا بالملح". ثم يقول الحسن: "كيف بقوم ذهب ملحهم؟!" [رواه ابن أبي شيبة].

        قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
 "(حتى تكونوا كالملح في الطعام) في "علامات النبوة" (بمنزلة الملح في الطعام) أي في القلة، لأنه جعل غاية قلتهم الانتهاء إلى ذلك، والملح بالنسبة إلى جملة الطعام جزء يسير منه والمراد بذلك المعتدل".اهـ [فتح الباري 7/155].

        قال بن القيم :
        "الطاغوت: كل ما تجاوز به العبدُ حدَّه من معبود أو متبوع أو مُطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم عدلُوا من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته".اهـ [إعلام الموقعين 1/50].

        قال بن القيم :
        "ومن صفات هؤلاء الغرباء .. التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس وترك ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس، وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله، لا شيخ، ولا طريقة، ولا مذهب، ولا طائفة. بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده، وإلى رسوله بالإتباع لما جاء به وحده. وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقاً، وأكثر الناس، بل كلهم لائم لهم. فلغربتهم بين هذا الخلق: يعدونهم أهل شذوذ وبدعة ومفارقة للسواد الأعظم".اهـ [مدارج السالكين 3/207].

        جاء في حديث أبي ثعلبة: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى: (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) فقال: (يا أبا ثعلبة مر بالمعروف وانه عن المنكر فإذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك ودع عنك العوام، إن من ورائكم فتنا كقطع الليل المظلم للمتمسك فيها بمثل الذي أنتم عليه أجر خمسين منكم) قيل: بل منهم يا رسول الله؟ قال: (لا بل منكم لأنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون عليه أعوانا) [أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجه].

        (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)).

        قال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
 "فالمراد بإيمانهم اعترافهم بأنه ربهم الذي هو خالقهم ومدبر شؤونهم، والمراد بشركهم عبادتهم غيره معه".اهـ [أضواء البيان 2/218]

        قال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
 "وقال بعض العلماء: نزلت الآية: في قول الكفار في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، وهو راجع إلى ما ذكرنا".اهـ [أضواء البيان 2/220]

        قال الفضيل بن عياض رحمه الله ما معناه:
 "اتبع طريق الهدى ولا يضرك قلةُ السالكين، وإياك وطُرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين".اهـ

        (أوَلم يَرَوا أَنَّا نَأتي الأرضَ نَنقُصُهَا من أَطرَافِهَا واللهُ يَحكُمُ لا مُعَقبَ لِحُكمِهِ وهوَ سَرِيعُ الحِسَابِ (41)).

        قال العماد ابن كثير رحمه الله
: "قال ابن عباس في رواية: خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها، وكذا قال مجاهد أيضاً: هو موت العلماء".اهـ

        عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتُنتَقُنَّ كما يُنتقى التمر من الجفنة، فلَيَذهَبَنَّ خيارُكم، وليَبقَيَنَّ شرارُكم، حتى لا يبقى إلا من لا يعبأ الله بهم، فموتوا إن استطعتم) .
        رواه البخاري في "الكنى"، وابن ماجة، والحاكم، وهذا لفظه، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".اهـ



        أكرم موت: قتلة في سبيل الله، قال الإمام ابن حزم رحمه الله:
        كِفاحاً مع الكفارِ في حومةِ الوغى
        وأكرمُ موتٍ للفتى قتلُ كافرِ

        فيا ربِّ لا تجعل حِمامي بغيرها
        ولا تَجعلني من قطينِ المقابرِ
        [سير أعلام النبلاء 18/206].

        عن ابن مسعود رضي الله عنه:
 "يذهبُ الصالحون ويبقى أهل الرَّيبِ، قالوا: يا أبا عبد الرحمن، من أصحاب الرَّيْب؟ قال: قومٌ لا يأمرونَ بمعروفٍ، ولا ينهونَ عن منكرٍ

        قال الحسن وقتادة وغيرهما
في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) الآية.. قالوا: المراد بذلك أبو بكر وأصحابه في قتالهم المرتدين ومانعي الزكاة.

        قال محمد بن إسحاق: ارتدت العرب عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خلا أهل المسجدين مكة والمدينة وارتدت أسد وغطفان وعليهم طليحة بن خويلد الأسدي الكاهن، وارتدت كندة ومن يليها وعليهم الأشعث بن قيس الكندي، وارتدت مذحج ومن يليها وعليهم الأسود بن كعب العنسي الكاهن، وارتدت ربيعة مع المعرور ابن النعمان بن المنذر، وكانت حنيفة مقيمة على أمرها مع مسيلمة بن حبيب الكذاب، وارتدت سليم مع الفجأة واسمه أنس بن عبد ياليل، وارتدت بنو تميم مع سجاح الكاهنة.

        وقال القاسم بن محمد:
 اجتمعت أسد وغطفان وطيء على طليحة الأسدي وبعثوا وفودا إلى المدينة فنزلوا على وجوه الناس فأنزلوهم إلا العباس فحملوا بهم إلى أبي بكر على أن يقيموا الصلاة ولا يؤتوا الزكاة، فعزم الله لأبي بكر على الحق وقال: لو منعوني عقالاً لجاهدتهم. فردهم، فرجعوا إلى عشائرهم، فأخبروهم بقلة أهل المدينة وطمعوهم فيها، فجعل أبو بكر الحرس على أنقاب المدينة وألزم أهل المدينة بحضور المسجد، وقال: إن الأرض كافرة، وقد رأى وفدهم منكم قلة، وإنكم لا تدرون ليلا يأتون أم نهارا، وأدناهم منكم على بريد وقد كان القوم يؤملون أن نقبل منهم ونوادعهم وقد أبينا عليهم فاستعدوا وأعدوا ".اهـ

       
        قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل شيخ رحمه الله –مفتي بلاد الحرمين سابقاً-:
"الخامس –أي من أنواع الحكم بغير ما أنزل الله-: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندةً للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقةً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية، إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً، وتفريعاً وتشكيلاً وتنويعاً وحكماً وإلزاماً، ومراجع ومستندات. فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع مستندات؛ مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجع، هي: القانون الملفق من شرائع شتى، وقوانين كثيرة، كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي، والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك.
        فهذه المحاكم في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملةٌ، مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، ويحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب، من أحكام ذلك القانون، وتُلزمهم به، وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم. فأي كفر فوق هذا الكفر ، وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة".اهـ [تحكيم القوانين ص7].

        حقيقة الطاغوت 1
        ---------------------
        الطواغيت جمع طاغوت، والطاغوت كما قال مجاهد بن جبر رحمه الله: "الطاغوت: الشيطان في صورة الإنسان يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم".اهـ

        وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
        "الطاغوت: فعلوت من الطغيان، والطغيان: مجاوزة الحد، وهو الظلم والبغي، فالمعبود من دون الله إذا لم يكن كارهاً لذلك: طاغوت.. إلى أن قال: ولهذا سمي من تُحوكم إليه من حاكم بغير كتاب الله: طاغوت".اهـ [مختصراً من مجموع الفتاوى 28/200-201].

        وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:
        "الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله".اهـ.

        ويقول أَيضاً رحمه الله:
 "من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فقد حكّم الطاغوت وتحاكم إليه".اهـ [أعلام الموقعين 1/50].

        وقال الإمام ابن كثير رحمه الله
        في تفسير قوله تَعَالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا) [النساء: 60]. قال رحمه الله بعد أن ساق أقوالاً في معنى الطاغوت: "والآية أعم من ذلك كله فإنها ذامَّة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت هنا".اهـ



        حقيقة الطاغوت 2
        ---------------------
        قال الشيخ سليمان بن سحمان في أحد رسائله:
        "الطاغوت ثلاثة أنواع: طاغوت حكم وطاغوت عبادة وطاغوت طاعة ومتابعة، والمقصود في هذه الورقة هو طاغوت الحكم.."اهـ [الدرر السنية 10/503].

        قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين في معنى الطاغوت:
        "ويشمل أَيْضاً كل من نصبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهلية المضادة لحكم الله ورسوله".اهـ [في رسالة له في تعريف العبادة وتوحيدها].

        قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل شيخ مفتي بلاد الحرمين سابقاً:
        "والطاغوت مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد. فكل من حكمَ بغير ما جاءَ بهِ الرسول صلى الله عليه وسلم أو حاكمَ إلى غير ما جاءَ بهِ النبي صلى الله عليه وسلم فقد حكم بالطاغوت وحاكم إليه".اهـ [تحكيم القوانين ص9].
        وقال أيضاً: "ولا يجوز استبدال الشريعة الإلهية بالقوانين الوضعية، التي ما أنزل الله بها من سلطان، وإسناد مثل هذه المشاكل إلى أهل القوانين من إسناد الأمر إلى غير أهله، لأنه من التحاكم إلى الطاغوت الذي أمر الله بالكفر به في قوله: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ...). فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (12/274). أو فتاوى الأئمة النجدية (1/330).


        حقيقة الطاغوت 3
        --------------------
        قال الشيخ محمد حامد الفقي:
        "الذي يستخلــص من كــلام السلــف رضــي الله عنهم: أن الطاغوت كل ما صَرَف العبد وصدّه عن عبادة الله وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله، سواء في ذلك الشيطان من الجن والشيطان من الإنس والأشجار والأحجار وغيرها. ويدخل في ذلك بلا شك : الحكم بالقوانين الأجنبية عن الإسلام وشرائعه وغيرها من كل ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال.. والقوانين نفسها طواغيت، وواضعوها ومروّجوها طواغيت، وأمثالها من كل كتاب وضعه العقل البشري ليصرف عن الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إما قصداً أو عن غير قصد من واضعه، فهو طاغوت".اهـ [فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص 278].

        قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
        "كل من حكم بغير شرع الله فهو طاغوت".اهـ [تيسير الكريم الرحمن ص184].
        وقال العلامة محمد بن الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: "وكل تحاكم إلى غير شرع الله فهو تحاكم إلى الطاغوت".اهـ [انظر: تفسير سورة الشورى].

        قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
        "الطاغوت وهو كل ما خالف حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم..".اهـ [مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن العثيمين 1/39].

        وسُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
        السؤال الثالث من الفتوى رقم ( 8008 ) :
        س : ما معنى الطاغوت عموماً، مع الإشارة إلى تفسير ابن كثير لآية النساء [ 60 ] ؟
        ج : أولاً معنى الطاغوت العام : ... أو تحكيماً له بدلاً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك. والمراد بالطاغوت في الآية: كل ما عدل عن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، إلى التحاكم إليه من: نظم وقوانين وضعية ...
        اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
        عضو عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
        عبدالله بن قعود عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن باز

        قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
        "وأهل هذه الغربة، هم أهل الله حقّاً فإنهم لم يأووا إلى غير الله، ولم ينتسبوا إلى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يدعوا إلى غير ما جاء به، وهم الذين فارقوا النَّاس أحوج ما كانوا إليهم. فإذا انطلق الناسُ يوم القيامةِ مع آلهتهم، بقوا في مكانهم، فيقال لهم: (ألا تنطلقون حيث انطلق الناس؟ فيقولون: فارقنا الناس، ونحن أحوج إليهم منّا اليوم، وإنا ننتظر ربنا الذي كنا نعبده)، فهذه الغربة لا وحشة على صاحبها، بل هو آنس ما يكون إذا استوحش الناس. وأشد ما تكون وحشته إذا استأنسوا. فوليه الله ورسوله والذين آمنوا، وإن عاداه أكثر الناس وجفوه".اهـ [مدارج السالكين 3/206].

        عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا). رواه الترمذي، وهو ضعيف. ولكن يصح وقفه على ابن مسعود رضي الله عنه

        قال الإمام ابن بطة رحمه الله:
 "والناس في زماننا هذا أسراب كالطير، يتبع بعضهم بعضاً، لو ظهر لهم من يدعي النبوة مع علمهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء أو من يدعي الربوبية: لوجد على ذلك أتباعاً وأشياعاً".اهـ [الإبانة 1/272].

        (إنَّ إبراهيمَ كانَ أمةً قَانِتاً للهِ حَنيفاً ولم يَكُ مِنَ المُشرِكِينَ (120)).

        قال الإمام القرطبي رحمه الله:
"والأمة: الجماعة.. وتكون واحدا إذا كان يقتدى به في الخير ومنه قوله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله)، وقال صلى الله عليه وسلم في زيد بن عمرو بن نفيل: (يبعث أمة وحده) لأنه لم يشرك في دينه غيره..".اهـ

        قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم عُرف عند العرب "الأحناف" أو "المتحنفون"؛ وهم قلة على دين إبراهيم عليه السلام، وقد ذكر ابن هشام، نقلاً عن ابن إسحاق: "أن قريشاً اجتمعت يوماً في عيد لهم عند صنم من أصنامهم، كانوا يعظمونه وينحرون له ويعكفون عنده، فخرج من بينهم أربعة نفر، فأخذوا يتناجون فيما بينهم، ثم قال بعضهم لبعض: "تعلمون، والله ما قومكم على شيء!" وسخروا من أمرهم كيف يُطيفون بحجر، لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع، ثم تفرّقوا يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم. وهؤلاء الرجال هم: زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، وعبيد الله بن جحش، وعثمان بن الحويرث".اهـ [سيرة ابن هشام 1/222-223].

        قال عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه:
 "إن جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة، الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك".اهـ وفي لفظ آخر: "إن جمهور الناس فارقوا الجماعة وإن الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى ".اهـ [رواه البيهقي وغيره].

        قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
 "واعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق، وإن كان وحده وإن خالفه أهل الأرض.

        قال عبد الله بن رواحة:
        محرضاً المؤمنين يوم مؤتة: "يا قوم، والله إن التي تكرهون، للتي خرجتم تطلبون –الشهادة-، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين؛ إما نصر وإما شهادة".اهـ


        قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله:
 "أترى إذا أريد اتخاذُ شهداء، فكيف لا يُخلق أقوامٌ يبسطون أيديهم لقتل المؤمنين، أفيجوز أن يفتِك بعمر إلا مثلُ أبي لؤلؤة؟! وبعليّ إلا مثلُ ابن ملجم؟! أفيصح أن يقتل يحيى بن زكريا إلا جبارٌ كافر؟!
        ولو أن عين الفهم زال عنها غِشاء العَشا لرأيت المسبِّبَ لا الأسباب، والمقدِّر لا الأقدار، فصبرت على بلائه، إيثاراً لما يريد، ومن هنا ينشأ الرِّضا".اهـ [صيد الخاطر ص67].

        قال الصديق يوم الردة، بكل حزم وعزم وشدة: "والله لو خالفتني شمالي لقاتلتها بيميني!".

        قال الشيخ المحدث العلامة أحمد شاكر رحمه الله
: "نريد أن نحارب الوثنية والشرك الحديث، اللذين شاعا في بلادنا وفي أكثر بلاد الإسلام، تقليداً لأوربة الملحدة، كما حارب سلفنا الصالح الوثنيةَ القديمة والشرك القديم.. وهدم الطاغوت الإفرنجي الذي ضرب على المسلمين في عقر دارهم في صورة قوانين..".اهـ [كلمة حق 10-11].

        رعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويثبُت الجهل، ويُشرب الخمر، ويظهر الزنا) [أخرجه البخاري].
        عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جُهّالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) [متفق عليه].

        عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تعالى: يا آدم فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك. فيقول: أخرج بعث النار. قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ). قالوا: يا رسول الله وأينا ذلك الواحد؟ قال: (أبشروا فإن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج ألفا. ثم قال والذي نفسي بيده إني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة). فكبرنا فقال: (أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة). فكبرنا فقال: (أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة). فكبرنا فقال: (ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود). وفي رواية: (إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالرقمة في ذراع الحمار) [متفق عليه].

        قال الإمام القيم رحمه الله في نونيته "الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية":
        يا سلعة الرحمن لست رخيصة
        بل أنت غالية على الكسلان

        يا سلعة الرحمن ليس ينالها
        في الألف إلا واحد لا اثنان!

        يا سلعة الرحمن ماذا كفؤها
        إلا أولو التقوى من الإيمان

        يا سلعة الرحمن سوقك كاسد
        بين الأراذل سفلة الحيوان

        أخبث ما يكون الإجرام؛ حين يُعاقَب الموحد بموجب أدائه لواجبات الإسلام! وقيامه بشعائره العظام! وثباته على أصول الدين، ومضيه في الدرب المبين..
        كمثل التوحيد والدعوة إليه، والجهاد والتحريض عليه.. إلخ فقد صارت هذه الأمور، في هذه العصور، عند كثير من الدهماء، منكراً؛ يُعرض صاحبه للاتهام والازدراء!

        وخصومنا قد (جرمونا) بالذي
        هو غاية التوحيد والإيمانِ!

        سلّوا على سنن الرسول وحزبه
        سيفين سيف يد وسيف لسانِ

        وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)
        الاعراف

        ) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)
        النمل

        قال أحمد بن عاصم الأنطاكي -وكان من كبار العارفين في زمان أبي سليمان الداراني-:
        "إني أدركت من الأزمنة زماناً عاد فيه الإسلام غريباً كما بدأ، وعاد وصفُ الحق فيه غريباً كما بدأ، إن ترغب فيه إلى عالم وجدته مفتوناً بحب الدنيا، يُحب التعظيم والرئاسة، وإن ترغب فيه إلى عابد وجدته جاهلاً في عبادته مخدوعاً صريعاً غدره إبليس، وقد صعد به إلى أعلى درجة من العبادة وهو جاهل بأدناها فكيف له بأعلاها؟! وسائر ذلك من الرعاع، همج عوج وذئاب مختلسة، وسباع ضارية وثعالب ضوار، هذا وصف عيون أهل زمانك من حملة العلم والقرآن ودعاة الحكمة!".اهـ [خرجه أبو نعيم في "الحلية"].


        قال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في أثناء كلامه عن الردة:
"وهذا الكفر الصريح بالقرآن والرسول في هذه المسألة: قد اشتهر في الأرض مشرقها ومغربها، ولم يسلم منه إلا أقل القليل".اهـ [مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ص43].

        (فَأَرسَلَ فِرعَونُ في المدائنِ حَاشِرِينَ (53) إنَّ هؤلاءِ لشِرذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وإنهم لَنَا لغَائِظُونَ (55) وإنا لجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)).

        وقال الإمام ابن كثير رحمه الله:
 "(لشرذمة قليلون) أي لطائفة قليلة (وإنهم لنا لغائظون) أي كل وقت يصل منهم إلينا ما يغيظنا (وإنا لجميع حاذرون) أي نحن كل وقت نحذر من غائلتهم وإني أريد أن أستأصل شأفتهم وأبيد خضراءهم".اهـ

        قال الإمام ابن القيم رحمه الله في نونيته:
        لا تخش كثرتهم فهم همج الورى
        وذبابه أتخاف من ذبانِ

        وإذا تكاثرت الخصوم وصيّحوا
        فاثبت فصيحتهم كمثل دخانِ

        قال الشيخ الإمام محمد بن إبراهيم آل شيخ رحمه الله:
        "فكما لا يسجدُ الخلق إلا لله، ولا يعبدون إلا إياه ولا يعبدون المخلوق، فكذلك يجب أن لا يرضخوا ولا يخضعوا أو ينقادوا إلا لحكم الحكيم العليم".اهـ [تحكيم القوانين ص22].

        قال الشيخ سيد قطب رحمه الله:
"إن الذين يحكمون على عابد الوثن بالشرك، ولا يحكمون على المتحاكم إلى الطاغوت بالشرك، ويتحرجون في هذه ولا يتحرجون من تلك؛ إن هؤلاء لا يقرؤون القرآن ولا يعرفون طبيعة هذا الدين فليقرؤوا القرآن كما أنزله الله وليأخذوا قوالبه بجد".اهـ [في ظلال القرآن 8/146].

 
        و ما أطيب ان تكون مجهول عند العباد معلوم عند رب العباد

        فى الحديث -رب أشعث أغبر ذي طمرين مصفح عن أبواب الناس لو أقسم على الله لأبره -

        ذكر ابن كثير في تاريخه،
 أنَّ السائب بن الأقرع قدم على عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يبشره بنصر المسلمين في معركة (نهاوند) ، فسألهُ عمر عن قتلى المسلمين، فعدّ فلاناً وفلاناً من أعيان الناس وأشرافهم، ثم قال لعمر: وآخرون من أفناد الناس لا يعرفهم أمير المؤمنين، فجعل عمر يبكي ويقول: (وما ضرهم ألا يعرفهم أمير المؤمنين ؟ ! لكن الله يعرفهم، وقد أكرمهم بالشهادة، وما يصنعون بمعرفة عمر ؟ ! ) البداية والنهاية ( ج4/113)

        (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (121)).

        بعد أن بين الله تعالى إهلاك أهل الأرض قاطبة لما نصروا الشرك والتنديد، وحاربوا الإيمان والتوحيد، وبين نصرة الموحدين القلة من أهل الإسلام، ونجاتهم في الفلك مع نوح عليه السلام، بين أن في ذلك لآية بينة، ولكن الكثرة من الناس غير مؤمنة.
       
        (هل أُنبِئُكُم عَلى مَن تنَزَّلُ الشياطين (221) تَنَزَّلُ على كُلِ أفاكٍ أثيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)).

        وكما أن لفرعون مصر سحرة، فلفراعنة العصر سحرة، هم أكثر من سحرة فرعون مَصر، ولا يخلوا منهم مِصر

        قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
 "البيان نوعان؛ الأول: ما يبين به المراد. والثاني: تحسين اللفظ حتى يستميل قلوب السامعين. والثاني هو الذي يشبه بالسحر، والمذموم منه ما يقصد به الباطل، وشبهه بالسحر لأن السحر صرف الشيء عن حقيقته".اهـ [فتح الباري 9/253].

        عن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى صاحب بلاء فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، إلا عوفي من ذلك البلاء كائنا ما كان ما عاش) [أخرجه الترمذي وابن ماجة، وصححه الألباني].


        قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
        فاجعل لقلبك مقلتين كلاهما
        من خشية الرحمن باكيتانِ

        لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهم
        فالقلب بين أصابع الرحمنِ

        عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "لو نزل بالجبالِ الراسياتِ ما نزلَ بأبي بكر لهاضها؛ اشرأبَّ النفاقُ بالمدينة، وارتدت العرب، فوالله ما اختلفوا في نقطةٍ إلا طار بها أبي بحظِّها من الإسلام".اهـ [سير أعلام النبلاء 28/40].

        لله رد أمير المؤمنين في خرسان الملا محمد عمر مجاهد حفظه الله حين قال في بداية الحرب الصليبية على أفغانستان، سنة (2001)م :
        "إن أمريكا وعدتنا بالهزيمة، والله وعدنا بالنصر، فسننتظر أي الوعدين يُنجز. والله لن يُنجر إلا وعد الله".اهـ

        (وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57)).

        من يظن أنه يدخل الجنة بلا صعاب، كمن يظن أنه يخوض البحر دون أن تبتل الثياب! وقديماً قال بعض الأعراب:
        أوردها سعدٌ وسعدٌ مُشتمِلٌ
        ما هكذا يا سعدُ تُورَد الإبل!

        وقد سُئل الإمام الشافعي: أيبتلى المرؤ أم يُمكن؟ فقال: "لا يمكن حتى يبتلى".اهـ

        لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله
        لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

        قال العماد ابن كثير رحمه الله:
"قال بعضُ العلماء: بالصبر واليقين، تُنال الإمامة في الدين".اهـ [تفسير القرآن العظيم 3/572].

        وما نيل المطالب بالتمني
        ولكن تُخذ الدنيا غلابا

        عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "مر أبو جهل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي عند المقام فقال: ألم أنهك عن هذا يا محمد! فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو جهل: بأي شيء تهددني يا محمد! والله إني أكثر أهل الوادي هذا ناديا. فانزل الله عز وجل: (فليدع ناديه * سندع الزبانية).
     
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن بين يدي الساعة الهرج قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل إنه ليس بقتلكم المشركين ولكن قتل بعضكم بعضا، حتى يقتل الرجل جاره ويقتل أخاه ويقتل عمه ويقتل ابن عمه) قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ؟ قال: (إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان ويخلف له هباء من الناس يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء) [أخرجه ابن ماجة، وأحمد، وابن حبان، وأبو يعلى، وغيرهم، وصححه الألباني].

        الغريب الثابت على الدين، لا يتضرر بأقاويل المبطلين، فهو يثق بموعود رب العالمين.

        عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سيأتي على أمتي زمان؛ يكثر فيه القرَّاء، ويقل الفقهاء، ويقبض العلم، ويكثر الهرج..) رواه الطبراني في الأوسط، والحاكم في مستدركه، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".اهـ

        عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي على الناس زمان: علماؤها فتنة، وحكماؤها فتنة، تكثر المساجد والقرَّاء، لا يجدون عالماً إلا الرجل بعد الرجل) رواه أبو نعيم.

        قال الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله:
        "وقد ظهر مصداق هذا الحديث في زماننا: فقل الفقهاء العارفون بما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكثر القرّاء في الكبار والصغار والرجال والنساء؛ بسبب كثرة المدارس وانتشارها، والمراد بالقر
        ّاء –والله أعلم- الذين يجيدون القراءة ويقرؤون ما يكتب لهم، وليس في الحديث ما يدل على أن ذلك خاص بالذين يقرؤون القرآن دون الذين يقرؤون غيره من الكتب والصحف والمجلات وغيرها، مما قد كثر في زماننا، وانتشر غاية الانتشار، وشغف به الأكثرون من الكبار والصغار، وأكثر القرَّاء في زماننا قد أعرضوا عن قراءة القرآن، وأقبلوا على قراءة الصحف والمجلات، وقصص الحب والغرام، وغيرها من القصص التي لا خير فيها، وكثير منها مفتعل مكذوب، ومع ذلك؛ فالأكثرون مكبون على القراءة فيما ذكرنا".اهـ [إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة 2/98].



       
        قال الإمام ابن القيم المتوفى سنة 751هـ واصفاً زمانه:
        "... وغلب الشرك على أكثرِ النفوس لظهورِ الجهل وخفاء العلم فصار المعروفُ منكراً، والمنكرُ معروفاً، والسنةُ بدعة، والبدعةُ سنة، ونشأ في ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، وطمست الأعلام، واشتدت
        غربةُ الإسلام، وقلَّ العلماء، وغلب السفهاء، وتفاقم الأمر، واشتد البأس، وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحقِ قائمين، ولأهلِ الشرك والبدع مجاهدين إلى أن يرثَ اللهُ سبحانه الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين".اهـ [زاد المعاد 3/507].

        قال الحافظ ابن حجر في باب (تَغَيُّر الزمان حتى تعبد الأوثان): "قال ابن بطال: هذا الحديث وما أشبهه ليس المراد به أن الدين ينقطع كله في جميع أقطار الأرض حتى لا يبقى منه شيء، لأنه ثبت أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة، إلا أنه يضعف ويبقى غريبا كما بدأ".اهـ
        ثم ذكر حديث (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق)

        (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (25)).

        بين الله تعالى في هذه الآية أن أكثر الخلق لا ينكرون توحيد الربوبية! ولكنهم يشركون به في الإلوهي ة! فتجد أحدهم يؤمن بالله تعالى أنه هو الخالق.. الرازق.. المحيي.. المميت..إلخ

لكنه لا يوحد الله في الحكم والتشريع! بل يتحاكم إلى غيره، ويُحكم غير شرعه، (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ).

فإياك أيها الموحد والترخص والتمييع، والانجرار مع من أشرك بالله في الحكم والتشريع، بحجة أنهم السواد الأعظم في الأمصار، ومن شذ عنهم شذ في النار!
       
        قال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في أثناء رده على سليمان بن سحيم:
        "أما استدلالك بالأحاديث، التي فيها إجماع الأمة، والسواد الأعظم، وقول: من شذ شذّ في النار، ويد الله على الجماعة، وأمثال هذا، فهذا أيضاً من أعظم ما تلبس به على ا
        لجهال، وليس هذا معنى الأحاديث بإجماع أهل العلم كلهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الإسلام سيعود غريباً، فكيف يأمرنا بإتباع غالب الناس؟!
        وكذلك الأحاديث الكثيرة، منها قوله: (يأتي على الناس زمان، لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه).

        وأحاديث عظيمة كثيرة، يبين صلى الله عليه وسلم أن الباطل يصير أكثر من الحق، وأن الدين يصير غريباً، ولو لم يكن في ذلك، إلا قوله صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة) هل بعد هذا البيان بيان؟! يا ويلك! كيف تأمر بعد هذا بإتباع أكثر الناس؟!
        ومعلوم: أن أهل أرضنا، وأرض الحجاز، الذي ينكر البعث منهم أكثر ممن يقر به، والذي يعرف الدين أقل ممن لا يعرفه، والذي يضيع الصلاة أكثر من الذي يحافظ عليها، والذي يمنع الزكاة أكثر ممن يؤديها، فإن كان الصواب عندك: إتباع هؤلاء فبين لنا!
        وإن كان عنزة، وآل ظفير، وأشباههم من البوادي، هم السواد الأعظم! ولقيت في علمك وعلم أبيك: أن إتباعهم حسن فاذكروا لنا!
        ونحن نذكر كلام أهل العلم، في معنى تلك الأحاديث، ليتبين للجهال الذين موهت عليهم..".اهـ
        [الدرر السنية 10/42-43].

        عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: "أحب شيء إلى الله عز وجل الغرباء".اهـ [رواه عبد الله بن أحمد في زيادات الزهد ص77].

        عند ابن المبارك في الرقائق من رواية نعيم بن حماد، عن عبد الله بن عمرو قال: "أحب شيءٍ إلى الله الغرباء". قيل: أي شيءٍ الغرباُء؟ قال: "الذين يَفرون بدينهم، يجتمعون إلى عيسى ابنِ مريم صلى الله عليه وسلم".اهـ [وانظر: الفتن لنعيم
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) [أخرجه أحمد]، وعن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً: (من أتى عرافاً أو ساحراً أو كاهناً فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) [أخرجه البزار وأبو يعلى].

        قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
 "قد يطلب الشيطان المتمثل له في صورة الإنسان أن يسجد له، أو أن يفعل به الفاحشة، أو أن يأكل الميتة ويشرب الخمر، أو أن يقرب لهم الميتة، وأكثرهم لا يعرفون ذلك، بل يظنون أن من يخاطبهم إما ملائكة وإما رجال من الجن يسمونهم رجال الغيب".اهـ [مجموع الفتاوى 1/361].

        قال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله في أثناء كلامه عن موالاة الكفار وموافقتهم، وتعريف الإكراه المعذور به شرعاً، قال:
"وأمّا ما يعتقده كثير من الناس عذراً، فإنه من تزيين الشيطان وتسويله وذلك أن بعضهم إذا خوّفه أولياء الشيطان خوفاً لا حقيقة له ظنّ أنه يجوز له إظهار الموافقة للمشركين والانقياد لهم.. إلخ".

        ... ثم قال رحمه الله: "فإذا علمت ذلك وعرفت ما وقع من كثير من الناس تبين لك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ) وقد عاد غريباً، وأغرب منه من يعرفه على الحقيقة، وبالله التوفيق". اهـ [سبيل النجاة]
       
        الشيطان على مر الأجيال؛ جيلاً بعد جيل، لم يستطع أن يضل في "الربوبية" إلا القليل، ولكنه استطاع أن يضل في "الألوهية" العدد الكبير، والجمع الغفير.

        ومن أبواب الألوهية: الحاكمية.

        قال الشيخ سيد قطب رحمه الله:
"ذلك أن الحكم الذي مرد الأمر فيه إلى البشر، ومصدر السلطات فيه هم البشر، هو تأليه للبشر، يجعل بعضهم لبعض أرباباً من دون الله..".اهـ [في ظلال القرآن 3/1433-1434].

        وقال الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني في المجلد السادس من السلسلة الصحيحة عند حديث رقم (2507): "من أصول الدعوة السلفية أن الحاكمية لله وحده".اهـ

        قال العلامة ابن منظور رحمه الله:
 "الحنيف: المسلم الذي يتحنف عن الأديان، أي يميلُ إلى الحق.. ومعنى الحنيفية في اللغة الميل.. وإنما أُخذ الحَنَف من قولهم رجل أَحنف ورِجلٌ حَنفاء، وهو الذي تميلُ قدماه كلّ واحدة إلى أختها بأصابعها".اهـ [لسان العرب 2/930].

        عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقول في دعائه: اللهم اجعلني من عبادك القليل. فقال له عمر: ما هذا الدعاء؟ فقال أردت قول الله عز وجل: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم) فقال عمر: كل الناس أفقه منك يا عمر!

        عن خلف بن تميم، قال: سمعت سفيان –أي: الثوري- يقول: "وجدتُ قلبي يصلحُ بين مكة والمدينة، مع قوم غرباء، أصحاب صوف وعَباء".اهـ [سير أعلام النبلاء 7/269].

        ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29 )).

        هذا مثال واضح مبين، لإبطال شرك المشركين، ولكن أكثرهم لا يعلمون، ولا يضر الحق أن لا يعلمه كثير من الناس! فـ: "الحق: حق وإن استقبحه الناس، والباطل: باطل وإن استحسنه الناس!" [الإحكام لابن حزم 6/193].

        عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً من شربة ماء) [أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني].

        لما صعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك المشربة، فرآى النبي صلى الله عليه وسلم على صعيد قد أثّر في جنبه، ابتدرت عيناه بالبكاء، وقال: "يا رسول الله، كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت صفوة الله من خلقه؟!"، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم متكئاً، فجلس وقال: (أفي شكٍ أنت يا ابن الخطاب؟!)، ثم قال: (أؤلئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا)، وفي رواية: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟!). [متفق عليه].

        عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) [أخرجه مسلم].
لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (57)).

فجهل الأكثرية لما يجب على العباد تجاه الخالق، ليس بمبطل للحق –الذي عليه القلة- أو خارق!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعليقاً على حديث: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، حتى تقوم الساعة) ، قال: "وهذا الحديث يُفيد المسلم أنه لا يغتم بقلة من
بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4)).

قال الإمام الطبري رحمه الله: "وقوله: (فأعرض أكثرهم) يقول تعالى ذكره: فاستكبر عن الإصغاء له وتدبر ما فيه من حجج الله وأعرض عنه أكثر هؤلاء القوم الذين أنزل هذا القرآن بشيرا لهم ونذيرا وهم قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهم لا يسمعون) يقول: فهم لا يصغون له فيسمعوه إعراضا عنه واستكبارا".اهـ

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الناس كإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة)، وفي رواية: (تجدون الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة) [متفق عليه].

قال الإمام ابن قتيبة رحمه الله:
 : "الراحلة النجيبة المختارة من الإبل للركوب وغيره، فهي كاملة الأوصاف فإذا كانت في إبل عرفت".اهـ [شرح صحيح مسلم للنووي 16-152].

قال الإمام الأزهري رحمه الله:
 "معنى الحديث أن الزاهد في الدنيا، الكامل في الزهد فيها، والرغبة في الآخرة؛ قليل جداً، كقلة الراحلة في الإبل".اهـ [شرح صحيح مسلم للنووي 16-152]. فإذا كان ذلك في القرون المفضلة، فكيف بقرون الأبواق المضللة؟!


تُعيرُنا بأنا قليلٌ عديدُنا
فقلتُ لها: إن الكرامَ قليلُ!

وما ضرَّنا أن قليلٌ وجارنا
عزيزٌ، وجارُ الأكثرينَ ذليلُ

والحق منصور وممتحن فلا
تعجب فهذي سنة الرحمنِ

وبذاك يظهر حزبه من حربه
ولأجل ذلك الناس طائفتانِ

من مات فقد حانت ساعته

عن عبد الرحمن بن جبير: أن المستورد رضي الله عنه قال: بينا أنا عند عمرو بن العاصي، فقلت له: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أشد الناس عليكم الروم، وإنما هلكتهم مع الساعة). فقال له عمرو: ألم أزجرك عن مثل هذا؟ [رواه أحمد، وفي إسناده ابن لهيعة].

إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4)).
قال الإمام القرطبي رحمه الله: "(أكثرهم لا يعقلون) أي إن الذين ينادونك من جملة قوم الغالب عليهم الجهل".اهـ

وما أكثر الجهل والجهلة في زماننا! ممن في الأصول والفروع يخالفنا.. وما أجمل قول أبي العلاء المعري حين قال
:
لما رأيت الجهل في الناس فاشياً
تجاهلتُ حتى ظُنّ أني جاهلُ!


قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "(وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك) أي قبل ذلك في الدار الدنيا، كقوله تعالى: (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون) ولهذا قال تعالى: (ولكن أكثرهم لا يعلمون) أي نعذبهم في الدنيا ونبتليهم فيها

بالمصائب لعلهم يرجعون وينيبون فلا يفهمون ما يراد بهم بل إذا جلى عنهم مما كانوا فيه عادوا إلى أسوأ ما كانوا عليه؛ كما جاء في بعض الأحاديث: (إن المنافق إذا مرض وعوفي مثله في ذلك كمثل البعير لا يدري فيما عقلوه ولا فيما أرسلوه) وفي الأثر الإلهي: كم أعصيك ولا تعاقبني؟ قال الله تعالى: يا عبدي كم أعاقبك وأنت لا تدري؟".اهـ
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: "إني تدبَّرت أحوال أكثر العلماء والمتزهدين، فرأيتهم في عقوباتٍ لا يحسُّون بها، ومعظمها من قِبل طلبهم للرياسة، فالعالم منهم يغضب إن ردَّ عليه خطؤه، والواعظ متصنع بوعظه، والمتزهد منافق أو مراء.
فأول عقوباتهم إعراضهم عن الحقِّ، شُغلاً بالخلق! ومن خفيِّ عقوباتهم سلبُ حلاوة المناجاة، ولذةِ التعبد".اهـ [صيد الخاطر ص14].

وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِّنَ الأَخِرِينَ (14)).

قال الإمام القرطبي رحمه الله:
"(ثلة من الأولين) أي من أول هذه الأمة، (وقليل من الآخرين) يسارع في الطاعات حتى يلحق درجة الأولين، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم قرني)".اهـ

قال نعيم بن حماد:
"إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وإن كنت وحدك، فإنك أنت الجماعة حينئذ".اهـ [رواه البيهقي وغيره].

قال نعيم بن حماد:
"إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وإن كنت وحدك، فإنك أنت الجماعة حينئذ".اهـ [رواه البيهقي وغيره].

ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إنّ :
"كون النبي قاتل معه أو قُتل معه ربيون كثير لا يستلزم أن يكون النبي معهم في الغزاة، ل كل من اتبع النبي وقاتل على دينه، فقد قاتل معه، وهذا الذي فهمه الصحابة، فإن أعظم قتالهم كان بعد وفاته صلى الله
عليه وسلم، حتى فتحوا البلاد شاماً ومصراً وعراقاً ويمناً وعجماً وروماً ومغرباً ومشرقاً، وحينئذ ظهر كثرة من قُتل معه، فإن الذين قاتلوا وأصيبوا وهم على دين الأنبياء كثيرون، ويكون في هذه الآية عبرة لكل المؤمنين إلى يوم القيامة، فإنهم كلهم يقاتلون مع النبي صلى الله عليه وسلم وعلى دينه، وإن كان قد مات. وهم داخلون في قوله: (محمد رسول الله والذين معه) الآية، وفي قوله: (والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم) الآية، فليس من شرط من يكون مع المطاع أن يكون مشاهدا للمطاع ناظراً إليه".اهـ [مجموع الفتاوى].

الله اكبر انها البشرى الطيبه للموحدين

تذكر –أخي الموحد- أنك -وإن كنت وحدك- لكنك مع الله فأنت أكثر منهم جميعاً، وبذكرك لذلك يزول عنك الهم سريعاً. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الله أكثر) [رواه الترمذي وصححه الألباني].

لما خرج موسى عليه السلام هارباً من قوم فرعون انتهى إلى مدين ، على الحال التي ذكر الله، وهو وحيد غريب خائف جائع، فقال: (يا رب وحيد مريض غريب، فقيل له: يا موسى، الوحيد: من ليس له مثلي أنيس، والمريض: من ليس له مثلي طبيب، والغريب: من ليس بيني وبينه معاملة) .

"وقيل لبعضهم: ألا تستوحش؟ قال: كيف أستوحش وهو يقول: أنا جليس من ذكرني؟! وقال آخر: وهل يستوحش مع الله أحد؟ وعن بعضهم: من استوحش من وحدته فذلك لقلة أنسه بربه
عوتب ابن غزوان على خلوته فقال: إني أصبت راحة قلبي في مجالسة من لديه حاجتي". اهـ

قال أبو محمد المقدسى حفظه الله:
"وليعلم أن أهل الحق أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي ولاسيما في هذه الأزمنة المتأخرة التي ازداد الحق فيها غرابة.. والموحد البصير لا يستوحش من قلة الرفيق إذا استشعر قلبه معية الله تعالى، وتذكر السا
لكين لهذه الطريق من الرعيل الأول الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.. وقبل ذلك فالحق لا يعرف بالرجال.. وإنما يعرف الرجال بالحق.. وهو ضالة المؤمن ومبتغاه.. فشمّروا وبادروا، والله ولي المتقين".اهـ [كشف النقاب عن شريعة الغاب ص173].



قال الشيخ حسين ابن غنام، بعد أن ذكر ما عليه أكثر الأنام:

".. وإذا رأى أفعالهم كل عارف بالإيمان، وشاهده بالروية والعيان، تبين له غربة الدين في هذا الزمان، وزاد بصيرة في دينه وإيقان، وجَدَّ في طاعة سيده ومولاه، وحمده على ما خوله وأعطاه، وسا
رع في خدمته ورضاه، وبادر إلى القيام بوظائف العبودية فيما أمره ونهاه، وأكثر من شكره على ما منحه من فضله وحباه، وجعله من حزبه الفائزين الذين هم لديه مقربون (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون (62) الذين آمنوا وكانوا يتقون (63)) [يونس]،





قال محمد بن الحسين رحمه الله:

"من أحب أن يبلغ مراتب الغرباء فليصبر على جفاء أبويه وزوجته وإخوانه وقرابته.
فإن قال قائل: فلم يجفوني وأنا لهم حبيب، وغمهم لفقدهم إياهم إياي شديد؟
قيل: لأنك خالفتهم على ما هم عليه من حبهم الدنيا وشدة حرصهم عليه
ا، ولتمكن الشهوات من قلوبهم ما يبالون ما نقص من دينك ودينهم إذا سلمت لهم بك دنياهم، فإن تابعتهم على ذلك كنت الحبيب القريب، وإن خالفتهم وسلكت طريق أهل الآخرة باستعمالك الحق جفا عليهم أمرك، فالأبوان متبرمان بفعالك، والزوجة بك متضجرة فهي تحب فراقك، والإخوان والقرابة قد زهدوا في لقائك..".اهـ [الغرباء للآجري ص38].


جاء في بعض الأناجيل، ما يدل على قلة أتباع عيسى عليه السلام بعد مبعثه إليهم، وأنهم غرباء حتى في بيوتهم! ففي إنجيل لوقا (12/51-53):"أتظنون أني جئت لأحل السلام في الأرض؟ أقول لكم: لا بل الانقسام، فيكون بعد اليوم خمسة في بيت واحد منقسمين ثلاثة منهم على اثنين واثنان على ثلاثة.. الخ".

تنبية
-----

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج..) [الحديث؛ أخرجه البخاري].

وعن أبي نملة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله ورسله. فإن كان باطلاً لم تصدقوه، وإن كان حقاً لم تكذبوه) [رواه أبو داود وأحمد، وحسنه الأرنؤوط].

التفريق بين أهل الحق على قلتهم، وبين أهل الباطل على كثرتهم، إحدى العوامل التي جعلت مشركي العرب، يتهمون نبينا صلى الله عليه وسلم بالسحر والعطب، قال عملاق الدعوة الشيخ سيد قطب: "فهو كما كانوا يدعون يسحرهم، ويغلب عقولهم، ويفسد حياتهم، ويفرق بي ن الوالد وولده، والزوج وزوجه.
ولقد كان القرآن يفرق نعم، ولكن بفرقان الله بين الإيمان والكفر، والهدى والضلال. كان يستخلص القلوب له، فلا تحفل بوشيجة. فكان هو الفرقان".اهـ [في ظلال القرآن 5/3120].

(وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالا (24)).نوح

كثرة الأتباع لشخص من الأشخاص، لا تدل على صحة طريقته وصدقه والإخلاص!

أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)).


قال الإمام القرطبي رحمه الله: "

: نزلت في اليهود حين قالوا: نحن أكثر من بني فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان. ألهاكم ذلك حتى ماتوا ضلالا



وصف الإمام عبد العزيز بن يحيى الكناني المتوفى سنة (240هـ) واقعه اى الغرباء فقال:
"كان الناس في ذلك الزمان في أمر عظيم، قد منع الفقهاء، والمحدثون، والمذكرون، والدعاؤون من القعود في الجامعين ببغداد، وفي غيرهما من سائر المواضع، إلا بشراً المريسي، ومحمد بن الجهم، ومن كان موافقاً لهما على مذهبهما، فإنهم كانوا يقعدون، ويجتمع الناس إليهم، فيعلمونهم الكفر والضلال. وكل من أظهر مخالفتهم، وذم مذهبهم، أو أتهم بذلك أحضر، فإن وافقهم، ودخل في كفرهم، وأجابهم إلى ما يدعونه إليه ترك، وإلا قتلوه سراً، وحملوه من بلد إلى بلد..".اهـ [الحيدة 10-11]. فإن كان هذا واقعهم في ذلك العصر الغابر، فما عسى أن يُقال في واقعنا المعاصر؟!

عن عبد الله بن جعفر قال
"لما توفي أبو طالب خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ماشيا على قدميه يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه فانصرف فأتى ظل شجرة فصلى ركعتين ثم قال: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وهواني على الناس أرحم الراحمين أنت أرح الراحمين أنت أرحم الراحمين إلى من تكلني إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري إن لم تكن غضباناً علي فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي)

وفي رواية: (إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي)،

وفي رواية: (إن لم تكن ساخطا علي فلا أبالي)

 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أسخط الله في رضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه من أرضاه في سخطه، ومن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه من أسخطه في رضاه حتى يزينه ويزين قوله عمله في عينه) .


قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله:
"العاقلُ من يحفظ جانبَ الله عزَّ وجلَّ وإن غضب الخلق، وكلُّ من يحفظ جانب المخلوقين، ويضيِّعُ حقَّ الخالق، يقلِّب الله قلبَ الذي قصد أن يرضيه، فيسخطه عليه. قال المأمون لبعض أصحابه: لا تعص الله بطاعتي، فيسلِّطني عليك...
وعلى ضدِّ هذا؛ كلُّ من يراعي جانب الحق والصواب يرضى عنه من سخط عليه..".اهـ [صيد الخاطر ص172-174 مختصراً].



فى الحديث(إن الأكثرين هم الأقلين يوم القيامة)
قال الهيثمي في مجمع الزوائد:
"رواه الطبراني، وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ثقة وبقية رجاله ثقات".اهـ

لقد زادني حبّاً لنفسي أنني
بغيضٌ إلى كلِ امرئٍ غير طائلِ

وأني شقيٌّ باللئامِ ولا ترى
شقياً بهم إلا كريم الشمائلِ



ليست هناك تعليقات: