عمالة أم خطأ فى التصور :
الحديث الكثير عن تحليل أسباب الحراك لبعض الجماعات
الاسلاميه ، يأخذ العديد م الصور و هذا ليس وليد اليوم أو الأمس ، و لكن هذا الأمر
بدأ منذ اشتعال جذوة رفض الظلم ، و السعي إلى العودة إلى التصور الاسلامي الصحيح
لقيام المجتمع .
و أخذ هذا التحليل عدة صور ، ما بين فريق يرى أن هذه
الجماعات إنما هى فى الأساس مجرد عرائس ماريونت فى يد النظام ( أى نظام ، سواء كان
محلى أو دولى ) ، و هذا بسبب الهزيمة النفسية التى أعترت المسلمين ، فأصبحوا لا
يتصوروا أن يتم أى حراك إلا بإذن من النظام (المحلى_الدولي)
و تصور أخر أعتمد فى الأساس على أن هذا الحراك لابد أنه
ينطلق من منطلق عقائدى لدى هذه الجماعات، و بالتالى الحراك ما هو الا العمل الفعلي
على الارض لما فى الكتب من التنظير ، بغض النظر عن هذا التنظير هل هو صحيح أم خطأ
.
و لذا كان هذا التحليل ، عسى أن يكون فيه من الحق ، و فى
معرفة العلة فى تأخر العمل الاسلامي عن ظهور ثمرته فى الواقع و قطف هذه الثمار .
خطأ بعض الجماعات الاسلاميه فى الحراك، فى الأساس ناتج عن
خطأ التصور ، و التوصيف للواقع على وجه صحيح .
فمثلا: الجماعات
التى لم تشارك فى الثورة على الرغم من أنها كانت بالملايين فى المجتمع ، و عانت من
الأذى الكثير فى التضييق عليها ، فعدم مشاركتها
فى الغالب ليس لإنهم عملاء لأمن الدولة، أو
ما شابهه من التهم التى لا يوجد عليها الأدله الكثير، و إن كان ثبت هذا الأمر فى حق
البعض منهم، أو الوقوع فى فخ العمالة دون أن يدري بعض قيادات ورموز هذه الجماعات .
لكن الخطأ كان فى الأساس لخطأ التصور و توصيف الواقع ، فهى
ترى هذا الحاكم أنه حاكم مسلم ، و مازال على الإسلام ، لانه يصلى أو نطق بالشهادتين،
و حتى مع اتيانه بالكفر ، فهم يروا أنه معذور بالجهل ، أو لم تقام عليه الحجه، أو أنه
كفر عملي لا ينقل عن الملة .
ثم بعد ذلك ، زاد على هذا التصور الاتيان بالادله على
عدم جواز الخروج على الحاكم ، و لى عنقها على اقصى محمل لتصل الى الرضا بالذل و
حشد الادله على ذلك ، ثم تأثيم حتى من يقول كلمة الحق فى وجه السلطان الجائر. و
التغافل عن الادله التى تحرم الظلم و تدعو الى الصدع بالحق و الى معرفة من هو
الامام الحق و كيف تكون طاعته .
هذا التصور الخاطىء لهذه الجماعات، التى لا تتحرك فى الأساس إلا بعد التوصيف الشرعي
، هو الذى نتج عنه مباشرة عدم القول بالمشاركه فى التظاهرات ، من هذا المنطلق، أنه
حاكم مسلم و بالطبع من يقاتل فى سبيل هذا الحاكم هو مسلم ، و بالتالي له حرمة الدم
و المال و العرض.
و عليه فإن تحمل ما أسموه أدنى المفسدتين هو بعدم الدخول
فى المشاركه فى التظاهرات، أو الصدام مع النظام بكافة صوره، و لو كان حتى بالكلمه،
بل وصل بهم الحال من الهزيمة النفسية الى تأثيم و الانكار على من يصدع بالحق .
دائما هذا التصور الخاطيء فى توصيف الواقع هو الواجب الرجوع
له عند تحليل المشاهد للجماعات الاسلاميه تحديدا.
لإنها فى الأساس جماعات عقائديه الحركه، و المنطلق. و الى
هنا هذا هو احسان الظن بها ، و لو أخطأت الطريق ، و عدم الانجرار الى فكرة العمالة
أو المؤامرة التى لابد من أخذها فى الاعتبار .
و عليه طبقا لهذا
التحليل يمكن أن يفهم كيف يكون الحراك لبعض هذه الجماعات ، و يتبقى السؤال حول مسألة المشاركه للبعض منهم فى الحراك عموما على الرغم
من فقدانه للتصور الصحيح كما تم توضيح هذا الامر مسبقا .
هذه الحاله لا تعدو إلا عن دربين فقط :
الأول:
أنه يشارك من منطلق الغضب و التعامل العقلي
العاطفي البحت، الناتج عن الشعور بالظلم و
القهر ، و يغيب عن ذهنه ما قام بالتأصيل له من أدلة شرعية، و مشاركته فى الحراك من هذا المنطلق فى الأساس.
و هذا الغالب الأعم لهذا النوع الأول، و هذا يظهر عادة بعد
النقاش و مراجعة الأدلة على المشاركه .
و هذا التحرك لا حرج فيه لانه فى الاساس يوافق الفطره
السليمه التى لا تقبل بالظلم .
يقول الحاج مالك الشهباز (مالكوم
X ) فى
عبارة واحدة بسيطة التركيب عميقة المعنى
"I believe in a religion that believes in freedom. Any time I have to accept a religion that won't let me fight a battle for my people, I say to hell with that religion"
إننى أؤمن بالدين الذى يؤمن الحرية، و فى أى وقت سيكون على أن أقبل بدين يمنعنى من أن أقاتل فى معركة من أجل قومى، سأقول له أذهب إلى الجحيم " مالك الشهباز
"I believe in a religion that believes in freedom. Any time I have to accept a religion that won't let me fight a battle for my people, I say to hell with that religion"
إننى أؤمن بالدين الذى يؤمن الحرية، و فى أى وقت سيكون على أن أقبل بدين يمنعنى من أن أقاتل فى معركة من أجل قومى، سأقول له أذهب إلى الجحيم " مالك الشهباز
و لذا فهذا النوع الواجب عدم الاعتماد عليه كثيرا فى الحراك،
لانه منطلقه حماسي غير عقائدى هذه المرة، و بالتالي مع الفتور و تطاول الأمد سيفقد
مشاركته فى الحراك.
و سيرجع مره أخري إلى ما قام بتأصيله من الأمس، و هذه هى
النقطة التى سقط منها أصحاب المراجعات ، فلم
يسقطوا من جهة التعذيب و ما شابهه فى الاسجون ، بل من جهة اللعب على هذا الوتر و هو
التأصيلات الخاطئه فى الأساس.
الثاني :
أنه يشارك من منطلق الاعتماد على بعض الادله الكليه
فى التأصيل الذى قام به بالأمس، و هنا على
الرغم من أن التحرك له ادله لديه، إلا أنه عند وقوع الصدام ، أو إذا وجد أنه لم يجد
ثمار الحراك له سريعا ، فيسارع مباشرة بالانسحاب عن المشهد،لكى لا يشعر بنوع من الفصام
فى ما بين ما قام بالتأصيل له و الحراك الذى مارسه .
عند ممارسة هذا التحليل، الهدف منه وضع كل تيار من هذه التيارات
فى الحجم الملائم لها، و معرفة العمل الذى يليق بها ، و من الممكن أن تؤديه بنجاح،
دون تحميلها ما لا طاقة لها به. أو الدفع بها فى فى الأعمال التى لن تطيق التحمل لها .
النقطه الأخري ، و هى الأهم و هودراسة هذه الأخطاء ليس
من جهة الوقوف فقط على الخطأ ، أو التشهير كما يحلو للبعض فى الممارسه، ممن حُرم
المشاركه فى صحوة الأمة ، لكن من جهة دراسة الأخطاء للسابقين ،من أجل استكمال ما
قاموا به من النهوض بالصحوه ، ثم تفادي هذا الخطأ لاكمال هذه المسيره المباركه .
من الكلمات الطيبه التى كان قد ذكرها الشيخ أبى محمد
المقدسي (فك الله أسره) حول العلاقة بين ما يسمى إعلاميا بالسلفية التقليدية و السلفية
الجهادية فكان مما ذكر:
" أن للسلفيه التقليديه دور كبير فى منهج إحياء الأمه فى مسألة التحذير من شرك
القبور و الأضرحه و غيرها ، و أنه لا يتصور لأمة أن تجاهد و هى تعتقد أن هذا الميت
ينف أو يضر. " ثم قال " ... و
لكن بعد فتره سقط بعض هؤلاء الرموز فى مداهنة بعض الحكام و السكوت على بعض أعمالهم
" –بتصرف ( من لقاء قناة الجزيرة مع الشيخ ابى محمد المقدسي)
و من طرائف هذا اللقاء أنه بعد تسجيل اللقاء و أثناء
اذاعته على القناه ، تم الاعلان عن قبض الأمن الأردني على الشيخ أبى محمد المقدسي
(فك الله أسره)
و هذا هو المنطلق الذى أدندن حوله ، فى علة فهم التصور
لكل حراك يحدث ، فالهدف منه الاستفاده من حسنات كل حراك ، و الانتباه الى الخطأ و
تحليله و معرفة أسباب السقوط.
و لذا فان ما اريد ان يسأله الشباب لانفسهم فى كل حراك ،
و أخص الشاب المنتسب إلى العمل الإسلامي ، الذى غايته توحيد الله ، و السعي إلى
إقامة شريعة الله فى الأرض، و العدل، و الإعمار لها .
أن يسأل نفسه عن علة الحراك، و ماهو الموقف الصحيح ، و
ما هى علة الأخطاء التى أصابت الحراك الجزئي للتيارات الاسلاميه
و هل حقا من الممكن أن يكون السبب هو خطأ التصور و توصيف
الواقع، و ليس أن الواقع صعب التغيير فى الاساس.
و للحديث بقية إن كان فى العمر بقية
بقلم : محمد جاب الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق