الثورات والعصا والجزرة
تختلف الثورات عن الانقلابات في جوهرها؛ فالثورات تعبير شعبي صادق عن رفض الظلم والتبعية، بينما الانقلابات غالبًا ما تكون رهينة لولاءات خارجية، إذ لا تنبع من رحم الشعب، بل هي التقاء مصالح فئة ضيقة مع جهة أجنبية، فتتحول البلاد من تبعية إلى أخرى.
وحين تندلع الثورات، فإن تحررها من قبضة الخارج يثير قلق القوى المستفيدة، فتسعى إلى إعادة تدجينها. ولأن البلاد في هذه اللحظة تكون منهكة بعد سنوات الظلم والقتال، تبدأ سياسة “العصا والجزرة”: تُمنح القيادات الشريفة بعض المكاسب المحدودة مقابل تنازلات صغيرة، بحجة تحسين الوضع الداخلي أو نيل اعتراف دولي. وهنا تكمن اللحظة الفاصلة؛ إذ يتدرج التنازل خطوة بعد خطوة، تحت ضغط الخوف من العودة إلى الماضي القاسي.
هذه هي “فتنة الخير” التي يسقط فيها كثير من القادة الصادقين؛ فهم في وجه فتنة الشر ثابتون، لكن عند إغراء الخير يتهاوون. فيغضّون الطرف عن التخلص من رفقاء الأمس بحجة أن عنادهم يضر بالنظام الجديد، ويبررون ذلك بأنهم لم يقتلوهم، بل “قتلهم عنادهم” وإصرارهم على مواصلة الثورة، متناسين أن زمن بناء الدولة لا يلغي حق الثورة في الاستمرار.
لكن المسلم الحق يدرك خطأ هذه المعادلة، إذ منهج الأنبياء لم يقم على التضحية بالعصبة المؤمنة لأجل استرضاء المنافقين. وقد كان النبي ﷺ في أشد لحظات الاستضعاف مع القبائل التي عرض عليها الإسلام، ومع من رفض الزكاة والجهاد، واضحًا لا مواربة فيه: “لا صدقة ولا جهاد، فبأي شيء تدخل الجنة؟”.
والتاريخ شاهد على مفترق الطرق الذي تواجهه الثورات:
• إما القبول بالتخلص من الأصدقاء المخلصين وتحويلهم إلى أتباع بلا روح، كما حدث مع آل سعود حين تخلوا عن “إخوان من طاع الله”.
• أو محاولة رفض التبعية بعد فوات الأوان، حين يكون القائد قد خسر كل من حوله، فيجد نفسه وحيدًا يردد: “أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”.
فهل من قلب يعي هذه الحقائق اليوم في الشام؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق