علمانستان
تحليل التجربة السورية بين الإمارة الشرعية و الدولة الحداثية
لقمان عبد الحكيم
النازعات صفر 1447
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى و سلام على عباده الذين أصطفى أما بعد :
كان من أكثر الدوافع لقراءة الكتاب رغم المتابعة السابقة
للوضع الشامي و كتابة الرأي فيه على خطين ( بيان تحولات HTS و الانتقادات من المصادر الرسمية و التصريحات و
ليس الأكاذيب و الادعاءات – بيان مواضع التوفيق و السعي لتقريب وجهات النظر مع من
وسد له الأمر في الشام ) تغريدات سابقة في حساب twitter
ثم جاءت تغريده الشيخ الفاضل عمر محمود أبو عمر بالنظر و مراجعة ما ورد في الكتاب
و بالطبع لا يحتاج الأمر الإشارة إلى التزكية لما يصدر عن مؤسسات النازعات فقد
عهدنهم من أهل النصح و الإرشاد لإخوانهم و النفع لهم
سيتم تقسيم المراجعة إلى عدة أجزاء :
تقييم اجمالي للكتاب و بيان مواضع النقد على الكتاب
مراجعة لمنهجية الكتاب
كلمة تاريخية حول التجارب المعاصرة
كلمة تاريخية حول التجارب المعاصرة و خواطر متفرقة و تقييم عام
فقرات و عبارات منتقاة #كلمات_من_نور
و لن يتم عرض ملخص للكتاب فهذا قد قام به صاحب الرسالة في بيان تقسيم الكتاب ص
22:24 ، ويمكن أن يقوم به أي برنامج AI ، و ثقافة الوجبات السريعة لا تنتج سوى الأمراض
و الكوليسترول و داء القلب ( عافا الله كل مريض و مبتلى )
1 : تقييم اجمالي للكتاب
تقييم الكتاب 3/5 وفقد الكاتب نجمتين للاتي:
عدم وضع مصادر للإشارة إلى المواضع التي انتقدها على النظام السوري الحالي و
التعريف بأصحاب هذه الأقوال و البيانات و الإحالات و هو ما يجعل المُشغب عليه يطعن
بعدم صحة الدعاوي خاصة لم لمن يعايش المراحل و التغييرات التي طرأت على الساحة
الشامية من بداية الثورة إلى سقوط نظام الأسد و إحلال النظام الجديد
استخدام و تكرار و إلزام الكاتب بكلمة ( المنهج ) و هو ما يجعل كذلك المُشغب يطعن
على ما قد أورده صاحب الكتاب بزعم أن طالما هذا -منهج- فهو في النهاية اجتهاد بشري
لتحقيق ورفع راية الإسلام و ليس هو الحق في ذاته و بالتالي يمكن التخلي عن هذا
المنهج و لا طعن على النظام الحالي، وقد كان يسع الكاتب هنا أن يبين أن ما يورده
مسائل لا خلاف فيها بين المسلمين مستخرجة و مستنبطة من الوحيين طالما أن الغرض
مفاصلة واضحة #ما_بين_منهجين
عدم عرض توطئة تاريخية و مقدمة حول تحولات HTS من جبهة النصرة التي كانت تحمل مشروع إسلامي إلى
جماعة تم وضعها تحت الاختبار لبضع سنوات في إدلب من النظام الغربي و الاتصالات التي
أفضت في النهاية لإبدال نظام بشار لاستنفاذ كل المحاولات معه
2 : مواضع النقد على الكتاب
في التمهيد تحدث صاحب المقدمة ( مويلك ) حول ماهية
الدولة و لم يورد تعريف للدولة وفق المصطلحات الحديثة و اقتصر على تعريف
قاصر أنها ( حكومة و نيابة ) و قد كان يسع أن يورد تعريف سواء حول بيان ماهية
الدولة في الشريعة الإسلامية أو الدولة في التعريفات الحديثة
الهامش حول الإكراه غير واضح فلا هو بين من هو أحد
شيوخنا ؟ و لا هو وضح معنى الإكراه الشرعي المعتبر و إن كان صاحب الرسالة قد بين
ذلك في نهاية الفصل السادس بالتفصيل
ص10 ( و يقيم في الأمة حياة تشبه الخلافة
) : فإن كان الغرض
الوصول إلى المثال الكامل سيكون الدولة النبوية و لكن إن كان الغرض الوصول إلى
مثال يمكن تحقيقة يوما ما فهو دولة الخلافة كما ورد في الأثر : ( ... ثم تكون
خلافة على منهاج النبوة )
ص 11 ( و أن كثيرا من الشباب كتبوا في
مواقعهم ما لم يقله شيوخ منابر الفضائيات ) : مشايخ الفضائيات غالبهم و كثيرهم لم
يتكلم بشىء فلا اعتبار للقلة منهم مقارنة
بالأكثرية في هذه القنوات ، و لو عددت أسماء الدعاة و الشيوخ لوجدت أنها لا تتجاوز
أصابع اليد الواحدة فهذه القنوات التي انطلقت لتكون تحت إدارة و عين الأنظمة كانت
مساحة لغرض معين ، و عند تحقق الغرض منه تم اعتقال الدعاة المصلحين فيها الذين
جعلوا لها صوت بين الناس و تم ترك دعاة التخدير ليستمروا في بث جهلهم بين الناس .
( يراجع الخونة أخس صفقة في تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة – أبو بكر ناجي )
ص 14 ( من المسلمات الكبرى في الشريعة أن
الحاكم الذي استبدل بشريعة الله شريعة وضعية و أعرض عن الحكم القرآن طوعا و
اختيارا قد نض بموقفه أصل الدين و خرج عن جماعة المسلمين ) : الحاكم اذا استبدل أو ترك و ليس الاستبدال
فقط . كذلك القيد الذى وضعه حول ( طوعا و اختيارا ) يشبه القيد الذي يضعه شيوخ
الارجاء حول الاستحلال و الرضا و كأننا نعود إلى الوراء ثانية
ص 14 ( ولذا انعقد القول في مراجع الجهاد ) : لو
نقل الاجماع أو القول من مراجع الاجماع أو الفقه أو شروح الحديث أو التفسير لكان
أفضل و ذلك لنبتعد عن التشغيب حول سرقة مرجعيات الجهاد المعاصرة كما فعل إسماعيل
كلم و هو ينقل اجماعات الجهاديين لم نسمع بها من قبل فكل يرى في شيوخه أن هؤلاء هم
فقط مرجعية الجهاد و غيرهم غلاة أو مرجئة !!
ص 14 ( وجوب الخروج على هذا الصنف من الحكام ) :
فلم يذكر ضابط القدرة و أطلق القول و هو كذلك من المواضع التي سيُشغب عليه فيها، فالصحيح هو الخروج حال وجود القدرة فإن
لم يكن هناك قدرة الواجب أن يتم الاعداد لتحقيق القدرة و لا يسقط هذا الواجب
ص 19 ( الفقرة الخاصة بضوابط أهل السنة في التكفير
) : لم يكن هناك داع لهذه الفقرة حيث أن محور الكتاب ليس حول
الإيمان و نواقضه ، وإن كان مفهوم أن الكاتب يبين معتقده حتى لا يرميه المخالف
بتهم الغلو التي أصبحت سيف قد استلوه من فقهاء السلاطين في الأنظمة المستبدة فالكل
مجاهد عندما يكون خارج السلطة و الكل خوارج لمن يعارضوا أي سلطة حتى داعش حاربت
الخوراج 😊
ص 28 ( العقلية السياسية كما كانت تُفهم
في تراث الجماعة الجهادية الراشدة لا تسجن المشروع في شخص القائد ) :
هذا الموضع نظرى بحت وهو ما تم التنبيه على من قبل أنه قصر الأمر على الجماعة
الجهادية إلا أن يكون يقصد بذلك مرحلة الخلافة الراشدة فهذا مقبول، لكن كل ما جرى
بعد ذلك في التاريخ الإسلامي فهو خطاب انحرف عن الشريعة حتى وصلنا إلى الانحطاط
الذي نعيش فيه ، و لا شك أن الناس تلتف حول القائد و تقبل منه مشروعه و لو كان لا
يقبله صاحب عقل سليم فهذه فطرة الناس فليسوا كلهم على نفس الدرجة من الفهم و العقل
و التمييز و التجارب المعاصرة خير شاهد على ذلك و هو ما جعل الناس تُفتن
بالديمقراطية
ص 33 ( إن ما يصاغ داخل سورية باسم
الواقعية، هو تفكيك للهوية الجهادية من داخلها ) : لو استخدم الكاتب – الهوية الإسلامية – لكان
أفضل فالجهاد جزء من التصور الإسلامي وإن كان يُعبر عنه أحيانا ولكنه ليس صريح
وواضح لدى عموم الناس ، كما ورد في حديث الحارث الأشعري "... و أنا أوصيكم
بخمس أوصاني الله بهن السمع و الطاعة و الهجرة و الجماعة و الجهاد في سبيل الله
" ، و كما قيل لمن أراد أن يُسلم و لا يجاهد :" لا صدقة و لا جهاد فبأي
شيء تدخل الجنة "
ص 34 ( و لأول مرة منذ عقود من العمل الجهادى نرى فقه
تمكين منزوع المخالب ) : قد سبق في ذلك حماس في حكم غزة و غيرها من مشاريع
الاسلاموقراطيين و إن كان الكاتب يتعجب من وجود هذه المفاهيم في الخطاب الجهادي، و
إن كانت دوما ثمرة المقاتلين يقطفها غيرهم
و ذلك لعدم وضوح الراية و قد كتب
في ذلك قديما أبودجانة الخرساني في منتدى الحسبة حول هذا المعنى، و قد تكون
التجربة الوحيدة التي كانت ثمرة القتال فيها لم يلتقطها غير المقاتلين هي التجربة
الأفغانية الطالبانية
ص 37( و أن كان التوحيد في أدبيات الجهاد
يعني قلع النظام الجاهلي من جذوره) : من المفترض تعريف التوحيد في الإسلام لا في أدبيات
الكتب الجهادية حتى لا يُشغب على الكاتب و للتأكيد أن المعنى المراد إيصاله إسلامي
نابع من الوحي و ليس اجتهاد بشري
ص 38 ( حين تقرأ لثلة المروجين لهذا
المشروع ) : كما سبق فكان
الأفضل التصريح بالأسماء مع الإحالات و بيان النقد للفكرة
ص39 ....: لو خفف الكاتب من حدته قليلا و ذلك ليكسب
قلوب مخالفيه و يجد منهم آذان صاغية فالنصيحة ثقيلة
ص 40 التجارب
الاسلاموقراطية التي تم سرقة الثمار فيها : كان على الكاتب أن يذكر النموذج
المصري بوضوح حيث أنه قد تم انتقاده صراحة من حكام الشام اليوم، و كانت التجربة من
أشد المصائب لإنها كانت تماثل انهيار تام في قييم و معييار الإسلاميين – حيث كان
تحالف اخواني / سلفي / قطبي
ص42 ( نقل مركز التفكير من الفرد إلى القائد ) : لو أضاف
كذلك من المجتمع المسلم إلى القيادة للإشارة إلى غياب العقل الجمعي المسلم
ص 43 ( تفسير قول الله تعالى "
وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا و كبرائنا فأضلونا السبيلا " ) : كان يمكن كذلك إضافة ما ذكر في التفسير عند
ابن كثير و ما ذكره الإمام ابن حزم في ذم التقليد و الشوكاني كذلك
ص 52 الفقرة
الخاصة ببيان الإنقلاب على المشايخ و طلاب العلم : لم يذكر الكاتب التحولات
القديمة و نكث البيعة من بداية جبهة النصرة ثم الانقلابات داخل HTS و المشيخات القديمة مثل المقدسي و كل من كان سبب
في تثبيت شرعيتهم في البدايات و هو ما صرح به حكام الشام الجدد و سبب ذلك ...وقيل
( كما تدين تدان )
ص68 ( و أن تبقى مواجهة المشروع الصهيوني
" : اليهودي
فالعداوة مع اليهود أنفسهم
ص 80 ( فقد قرر الجولاني كما يبدو أن
المشروع الجهادي بصيغته التاريخية قد استُنفذ " : فليس الجولاني هو من قرر بل الشيوخ الذين
استشرفوا التاريخ و الأحداث هم الذين مع أنفسهم قرروا هذا الأمر !! و استغلوا
الفرصة في غياب القادة و الشيوخ و تغييبهم لتترك لهم الكلمة و المنابر للحديث و
الترويج لهذا الشر تحت مسمى مشروع الأمة و انتهاء مشروع الجماعات، ورأس ذلك الشيخ
عمر محمود أبو عمر و تلامذته الذين كانوا صدى صوت له و لاستشرافاته و نباح على
المخالفين له
ص 80 ( امتدادا طبيعيا لرؤية قاعدية ) : إسلامية
ص 87 ( إن تأمل خطابات القيادة منذ
الانشقاق عن القاعدة إلى اليوم، يُظهر بوضوح ميلا تدريجيا إلى إحلال خطاب الدولة
محل خطاب الجماعة ) : لا إشكال في أن يحل خطاب الدولة بدلا من خطاب الجماعة
مادمت تلك الدولة ملتزمة بالمنهج الإسلامي الصحيح و لا تحييد عنه و تصب ممارستها و
دعوتها و شعارتها في تحقيق الغايات الإسلامية
ص 94 ( وقطع الطريق على تجارب الإخوان
وصرح الجولاني مرارا أن دماء الشهداء لن تذهب إلا في مشروع الخلافة الإسلامية ) : فهم من ذلك الشباب أنه معارض لتلاعب الاخوان
الديموقراطي بالإسلام، و لكن كان في الحقيقة هو خطاب لدول الخليح و الاوربيين أن
مشروعنا يقتصر على سوريا و لا نية لدينا مطلقا للخروج خارج تلك الحدود
ص 101 ( كما أظهر باومان في تحليلة
السلوكي جلادي الهولوكوست ) : زيجمونت باومان الحداثة و الهولوكوست – و لمزيد من
الفائدة النازية و نهاية التاريخ عبدالوهاب المسيري
ص 113 ( حتى صار تحكيم الشريعة مؤجلا أو
مقيدا أو مرهونا بالتدرج و الاستطاعة ) : هذا لا حرج فيه فكل العبادات تقوم على
القدرة و الاستطاعة و التدرج كما ورد في أثر معاذ، ولكن ما يتم استنكاره هو أن
تغييب مرجعية ووضح واحدية الشرعية أي الخط العام الحاكم للماراسات
ص 121 ( الفقرة المتعلقة بنقد منهج الغلاة
) : جاءت الفقرة
ضعيفة نقد منهج القوم القائم على الكذب و الحسد و سوء الأخلاق و كان يسع الكاتب
تجاوز هذه النقطة لإنها ليست محور الكتاب و قد تم طي صفحتها برحمة الله بالمسلمين
، و ما تبقى نار ستأكل بعضها البعض لإنها تفتقد قاعدة الأخلاق التي يقوم عليها
الإسلام في منهجى المتكامل الذي قوامه #التوحيد_والأخلاق_والجهاد
ص124 ( فقرة الحكم بغير ما أنزل الله ) : لم يكن
هناك داع للدخول في هذا الاجماع و الاكتافئ بالايه لعدم التشغيب الارجائي المتعلق
بالاعتقاد و الرضا و الاستحلال و وو الذي من المفترض أن حكام الشام قام قتالهم و
هم يدرسون و يعلمون تلك الأمور و كانت من أسباب القتال الظاهرة للجزار البعثي
ص129 ( من عجائب ما يروجه المتأولون اليوم
) : لو قال أنصار الجولاني و المدافعين عنه أو عن النظام
السوري الحالي لكان أدق فلا تأويل للقوم ، فنحن لا نتحدث عن عوام المسلمين ممن طمس
هويتهم الطغاة و المستدبين، بل الحديث موجه لمقاتلين عرفوا الحق ابتداءا و انقلبوا
عليه اليوم بمزاعم هم يعرفون من أنفسهم أنها ليست صواب و لكن الشيطان زين لهم و
خوفهم من المستقبل
ص 137 ( الاستدلال بكلام ابن تيمية و
الاطلاقات ) : فالاستدلال غير معتبر لإن القوم يتحايلوا على كلمة
الكفر الصريحة بألفاظ مجملة و كذلك الاطلاقات لابد من ضبطها
ص 139 مسألة المرتدين في وصف الطوائف
الباطنية : قد سبق
بيان فتوى الشيخ سليمان العلوان قديما في هذه المسألة و أن هؤلاء يعاملوا معاملة
الكافر الأصلي ، و قد فصل في ذلك الشيخ عبدالمجيد الشاذلي في كتاب حد الإسلام حول
الجيل الثالث لطوائف المرتدين و اعتبارهم كفار أصليين و بالتالي عدم تنزيل كلام
ابن تيمية فيهم ، فهؤلاء لم يدخلو الإسلام ابتداءا لُيقال ارتدوا عليه
ص 140 ( السكوت على وصف الكافر بالكفر ..
مداهنة ) : لابد من الاتيان بالدليل على هذا القول خاصة أن هناك من
الألفاظ ما قد يوافق المعنى الشرعي دون التصريح باللفظ و الاية المستدل بها في حكم
موالاة الكفار
ص
150 الفتوى الخاصة بالعاملين في سلك
النظام الحالي من عسكريين و غيرهم : هذا الجزء جاء متخبط
فيه و الأفضل هو الإحالة إلى فتوى الشيخ أبو محمد المقدسي في هذ ا الأمر فقد جاءت
متوزانة منضبطة فلا تجمح إلى التعاون أعداء كل توجه إسلامي كما فعل المخبولين من
السلفيين في مصر و لا هي تدعم الوقوف في صف الظلم الواضح و أهله فيحدث التخبط و في
النهاية كل شخص سيسأله الله عن نفسه مفردا
ثانيا : مراجعة لمنهجية الكتاب
اعتمد الكاتب فى عرضه التجريد للتجربة السوريه الحالية دون
التتبع التاريخي لتاريخ الحكام الجدد و تحولاتهم و لذلك جاء الاطناب في بعض
المواضع بدون داع مثل الاطالة في جانب المقاصد ، و لكن في الوقت ذاته بين الطريقة
التي يتم بها السيطرة بهدوء على المقاتلين و خنقهم بحبل من حرير تباعا و استبدال
المشيخات و الفتاوى و الاحلال للمقاتلين .
ثالثا : كلمة تاريخية حول التجارب المعاصرة و خواطر
متفرقة و تقييم عام
هيا بنا نرجع إلى
الوراء قليلاً، سنرى أن ما يحدث في الشام اليوم هو تكرار لما حدث في الدولة السعودية
الثالثة: رفع شعارات التوحيد والجهاد، ثم التفاف العصبة المؤمنة من إخوان من طاع الله،
ثم عقد الصفقات السرية والتحالفات السرية مع الكفار، انتهاءً بالتخلص من المصلحين الذين
رفضوا أن يكونوا مطية بعد أن عاهدوا الله ألا يرجعوا إلا أن يتم الله النصر والفتح
عليهم أو يهلكوا دون ذلك. هو التاريخ يتكرر، فتقرأ في الدرر السنية فتاوى علماء نجد
وهم يصمون الإخوان بالخارجية ويدعونهم إلى طاعة ولي الأمر عبدالعزيز، وتتَعجب من الأسماء
التي وردت في الإرساليات لديهم بعد أن خدعهم ولي الأمر عبدالعزيز.
هل ترى من اختلاف؟
لن ترى سوى تغير الأسماء.
لقد بَحّ الصوت منذ
سنوات، والتي كان الناصح الأمين فيها لابد أن يكون صاحب حكمة؛ فالطائرات الروسية والسورية
تقصف الحمم على المسلمين المستضعفين، والأخبار تتواتر أن ما يجري على الأرض من اتصالات
وتحالفات مع الأتراك الذين كفّرهم النظام الحالي بوضوح بعد أن وجد نفسه في خانة لا
يُحسد عليها، وذكر ذلك الشيخ عمر محمود كذلك. فما الذي تغير؟ هل أسلم النظام التركي
أم بدّل وغيّر النظام السوري الجديد؟
كان الناصح الأمين
يتكلم ويدعو بهدوء، يفرق بين الجند الذين عرفهم وعرف ما فيهم من إخلاص وصدق، وبين القادة
والآفة الفاسدة التي ظهرت من العراق وانطلقت في الشام تحت مسمى (الأمنيين) وهم (الطواغيت
الصغار). فكانت شام اليوم هي شام الأمس التي سُلِّطت على المسلمين الحكم العاض، وكان
المسلمون مجبرين على قبولها في ظرف تاريخي، ثم اتسع الخرق إلى الملك الجبري الذي نعيش
فيه نتيجة الخرق البسيط الذي وقع في التاريخ الإسلامي. وما كان أنصار ابن الزبير والحسين
وابن الأشعث وابن الحنفية إلا قليلاً، فلما ماتوا عاش المسلمون على خطاب طاعة ولي الأمر
المتغلب، إلى أن وصلنا في يوم ما إلى طاعة ولي الأمر بريمر. فكان لا يسع الناصح الأمين
سوى أن ينذر ويحذر ويدعو إلى الله الناس أن يتوبوا إلى الله مما هم فيه ومن الخداع،
فالله لا يُخدع والله لا يُغلب. ينادي: لا تنسوا رحمة الله بكم بعد أن كنتم مستضعفين،
فمنّ الله عليكم بالنصر في المعارك.
هو التاريخ يعيد
نفسه، ولكنه ليس تاريخ المسلمين؛ فتاريخ المسلمين الأبيض الناصع قائم على تقوى الله
والخوف من الله، والموت في سبيل الله خير من حياة في معصية الله، بينما تاريخ البشرية
الجاهلية لا يعدم أن تجد فيه القائد الماكر القوي الذي كل يوم يستبدل أنصاراً بأنصار،
وحليفاً بحليف، وينطلق بين القوم زاعماً أنه يخاف على دينهم وعلى اقتصادهم وعلى وحدة
أراضيهم وقوتهم.
إن من يكتب اليوم
لم يكن يوماً عدواً للشعب السوري ولا عدواً للمستضعفين، بل كان دوماً معهم ومع كل مستضعف
مسلم، ليس تفضلاً بل لأنه أقل الواجب الشرعي/الفطري اللازم. من يكتب هو من وقف في صف
جبهة النصرة وقادتها وإن خالف بعض الأمور، ووقف في صف المقاتلين الأوفياء لله من بعد
ذلك وإن خالف في بعض الأمور، ولم يكن يوماً عدواً للمسلمين المقاتلين المستضعفين، بل
يرجو من الله أن يكون هو وهم فرساناً تحت راية النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم.
من يكتب يعلم أن
هذه الرسالة الصادقة التي كتبها صاحبها -كما نحسبه- ابتغاء النصيحة الواجبة للمسلمين
في الشام قد لا تلاقي صدى كبيراً وآذاناً صاغية، فالمُلك فتنة طاغية، والإمارة لها
سطوتها في النفس البشرية، وقد ذكر الشيخ أبو قتادة الفلسطيني قديماً مثالاً على ذلك:
أنك ترى الإنسان المسلم قد يتمسك بالتحكم في شيء بسيط لا قيمة له مثل أن يكون هو مسؤول
المسجد عن الأذان أو المكتبة، فما بالك بأن يُوسَّد لك أمر دولة كاملة بكل شيء فيها.
لم أعرف في التاريخ المعاصر سوى الملا محمد عمر الذي وفق الله قلبه أن يدع ملكه انتصاراً
لله ولرسوله وللمؤمنين، مؤمناً بوعد الله وصدقه.
يدرك الكاتب أن الشام
ليست أفغانستان ولا الجزيرة في طبيعة تضاريسها ولا شعوبها، وأن الدول المركزية الحديثة
عموماً تختلف في مكوناتها عن هذه الدول. فلا هو ينظر للأمور بعين جامدة صلبة ليست إلا
في الكتب، بقدر ما يؤمن كذلك بتوازن الشرعية الإسلامية، وأن ما يجري اليوم في الشام
هو حبل ناعم يشد على رقاب المقاتلين في سوريا. فمن قال إن الأمر استتب؟ ومن قال إن
دولة الاحتلال ستقبل بوجود نظام شبه إسلامي أصلاً بحدود 76 كيلو؟ ومن قال ومن قال ومن
قال... كل هذه الأمور ما زالت لا تُحسم. قبل 15 عاماً يمكن بعدها أن يقول قائل: الأمر
قد استقر على كذا.
فالعاقل يرى بوضوح
أن النجاة والفكاك هو التمسك بحبل الله المتين، والذي أخرج المسلمين من نار إدلب قادر
على أن يخرج الشام كلها من كيد اليهود والمنافقين والعملاء الخونة.
التاريخ يعيد نفسه.
كنت أعتقد أن الشيخ عمر محمود يريد من دراسة الكتاب والنظر فيه انتقاء المواضع التي
فيها يحذر الكاتب من مخاطر الانزلاق العلماني في الوسط الشامي، ولكن وجدت أنه تاريخ
يعيد نفسه. فقديماً كتب أبو مصعب رويترز رسالة (كشف شبهات المقاتلين) فانتفض ضدها الشيخ
عمر محمود وكتب واحتد على صاحبها، بينما توسط في القول الشيخ أبو محمد المقدسي
القول فلم ينجرف إلى إطلاقات كلاهما سواء الشيخ أبو مصعب أو الشيخ أبو قتادة. واليوم
كذلك كتب لقمان عبدالحكيم رسالته ينصح ويتلافى كل ما قد كان يُنتقد على صاحب كشف شبهات
المقاتلين ، بل يكتب بنفس أبي مصعب السوري المفكر الباحث، فانتفض له يرغد ويزبد إسماعيل
كلم، فسارع في الانقضاض على الرسالة وصاحبها من أول يوم دون تروٍّ ونظر لما فيها؛ هجوم
أعمى، فهو التاريخ فقط يعيد نفسه.
ما بين منادٍ:
"يا قوم على ماذا تقاتلون؟" وبين: "لا نسمع ولا نرى إلا ما يقول قادتنا."
لقد كتب الصحفي وسيم نصر منذ سنوات بوضوح عن طبيعة اللقاء
والأيام التي عايشها في الشام في إدلب بنفسه، والمقابلات مع أبي مارية الهراري، وذكره
فيها بوضوح من قتالهم للمسلمين من إخوانهم في QA
،
وذلك لتأكيد أنهم تجربة مختلفة تماماً، وكأن قتال QA
هو صك المرور للقبول الغربي.
الغرب الكاذب المنافق
الذي نراه اليوم — لأكثر من عامين وغزة تُنحر وأهلها في إبادة جماعية كل يوم، ولا يتحرك
نصرةً لما زعموه من الحق الإنساني والحقوق الأممية — فهل هذا الغرب كله يستحق أن يتم
التضحية فيه بمسلم من أجل صك المرور؟
هذه الرسالة لن تجد
صدىً لدى الحكام الجدد، ولكنها اعذار إلى الله من مسلم إلى إخوانه حتى لا يُقال كذباً
في يوم من الأيام إن كان هناك إجماع على ما حدث في الشام من تبديل وتغيير، ويُقال إن
تجار الدين الجهاديين يبدّلون جلودهم مع المصلحة والسلطة. هي رسالة إلى الشباب الذين
بين مطرقة الغلو ومطرقة الطاعة: أننا لسنا من الفريقين، بل من فريق المسلمين الذين
يعرفون لكل مسلم فضله فيقفوا معه، وفي نفس الوقت يعرضوا عن الباطل ولا يرقعوا له.
تفكروا ولولا قليلاً
يا حكام الشام ويا شباب الشام، واطرحوا عن أنفسكم كلام ودعاوى المقاصد والمصالح والاستضعاف...
وتأملوا ما في الوحيين من الحكمة لتعملوا بما فيه قبل أن يسلب الله منكم النعمة، فتصبحوا
على ما فعلتم نادمين.
اللهم انصر دينك
وكتابك ونبيك.
اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في الشام وغزة وكل
مكان، وألهمهم رشدهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم برحمتك التي وسعت كل شيء.
السبت
21 ربيع الأول 1447
13-9-2025