أهل التوحيد و بناء العش
خواطر الفجر
-
أن تجلس فى المسجد قليلا بعد صلاة الفجر، و تشاهد مشهد من أجمل المشاهد،
يمامة صغيرة تقوم ببناء عش لها أو لأولادها الصغار فى المستقبل، فتشاهدها و
هى تحمل فى فمها عود من القش لتقوم بوضعه فى تناسق هندسى بديع لم يعلمه
أحد لها إلا الله، فتنظر لها و هى تبنى هذا العش، فلا يدور فى خاطرك إلا
حال أهل التوحيد و الجهاد.
فهكذا هو حال الموحد السائر فى الأرض
بمفرده، و لكن يسير على هدى، و نور، و علم، و بصيرة، فهو لا ينتظر مساعدة
من أحد فى طريقه ، و لا ينتظر أن يعينه أحد ليتحرك سائرا إلى الله و لو كان
وحيدا فى دعوته.
فهو مثل هذه اليمامة يقوم باداء دوره فقط فى
الدنيا، و من يعلمه السير فى هذا الطريق هو الله، فهو من يهديه إلى الحق، و
يقيمه حيث أراد أن يراه فى موضع محدد، بدون سابق موعد أوتخطيط أحيانا.
فأهل التوحيد غايتهم رضا الله، و هذه الغايه لم تتحول إلى وسيلة فى يوم
من الأيام. فتصير الوسيله هى الغاية، و الغاية هى الوسيله، كما وقع لأهل
الضلال و المشركين، ممن استباحوا كل الوسائل حتى الشرك، ظنا منهم أنه يؤدى
إلى رضا الله، و الله أغنى الأغنياء عن الشرك، و لا يتقرب له إلا بالطيب .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن
الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ،
فقال تعالى : { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } ( المؤمنون
: 51 ) ، وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } (
البقرة : 172 ) ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر ، يمدّ يديه إلى
السماء : يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغُذّي
بالحرام ، فأنّى يُستجاب له ؟ ) رواه مسلم .
و على هذا كان سير
أهل التوحيد و الجهاد، و كان هذا ما ربط الله به على قلوبهم، فهم يؤدوا ما
عليهم فقط من أمر الله ، لا ينتظروا احتجاج بأكثريه أو يعيقهم قلة سالكى
السبيل .
و من الذين أجادوا فى بيان هذا الأمر كما أحسب الشيخ ترك
البنعلى (وفقه الله) فى رسالته " السلسبيل فى قلة سالكى السبيل" فى الرد
على متهوكى الاحتجاج بالاكثريه على كل عمل كبير أو صغير، حتى أضاعوا أوثق
عرى الدين بسبب هذا النفخ من الشيطان.
و لكن أهل التوحيد و الجهاد حسبهم فقط و يكفيهم قول الله تعالى :
" فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا 84 "
فهذا هو النور التام إلى يوم القيامه
و قد تكون هناك وقفه مع هذه الاية التى هى لو استمع لها واحد من النفر بقلبه لكانت كافيه له كنبراس فى السير إلى الله فقط.
فكن أخ التوحيد كهذه اليمامه فى العمل و السعي و الصبر ، و أعلم أن العش و سيلة و ليس غاية
بقلم : محمد جاب الله
تعقيباً على ما يتداوله البعض عن مقطعٍ مرئيٍّ لمحمد مرسى رئيس مصر، وهو
يتحدث فى مؤتمر له بألمانيا ويتناول كلماتٍ ركيكة بالإنجليزية وسط خطابه
بالعربية لجمع من رجال الأعمال.
جالت فى نفسى بعض الخواطر، فأحببت أن أشارك إخوانى إياها:
أذكر أنى فى أحد المرات كنت أستمع إلى إذاعة القرآن الكريم قديماً، وكان
الحديث يدور فى البرنامج حول اللغة، فكان مما قاله أحد الأساتذة من مجمع
اللغة العربية :
"إن الكلام لدى الشعوب على ثلاثة أقسام: الفصحى، العامية، والملوثة ."
"وإن فائدة مجامع اللغة هى أن تسعى للحفاظ على اللغة الأصيلة للشعوب؛ حتى لا تذوب هويتها فى غيرها، لأنها هى المعبرة عن أصالتها"
وقال: "إنه ليس كل أحد بمتمكن من الفصحى فى الحديث، ولذا فإن الكلام
بالعامية قد لا يكون فيه حرج أحياناً ومقبول، لكن الطامة فى اللغة الملوثة"
فسأله المذيع: "وما هى اللغة الملوثة؟"
فقال: "هى التى يُدمَج فيها بين لغتين فى الحديث، كأن يتحدث أحدهم كلمة
بالعربية وكلمة بالإنجليزية أو كلمة بالعربية وكلمة بالفرنسية،" و قال: "إن
هذا الأمر علته الاستعمار الذى كان يعمل على تدمير الهوية المتمثلة فى
اللغة، وهذا هو أهم دور للمجامع اللغوية، الحفاظ على اللغة وحفظها من أن
تتلوث بغيرها"
والحديث هنا حول الكلام العام، وليس عن المصطلحات
العلمية التى قد يكون فيها الأخذ والرد، بل عن الكلمات فى الحديث التى
لدينا لها البديل.
وفى نفس السياق، أذكر كلمة لأحد الإخوة الروس،
كان يذكر فيها كيف أن الروس لا يجيدون الحديث بغير الروسية، بل إن أحدهم لو
استوقفه أحد ليسأله بكلمات انجليزية بسيطة عن فندق أو شارع فلا يمكنه
الإجابة
فلما سألته عن علة هذا الأمر قال لى: لأن روسيا لم يرسخ بها احتلال من قبل، وهذا بخلافكم، كما أن الروس لهم اعتزاز بلغتهم .
و كذلك من قرأ عن الألمان فسيعرف أن لديهم هذا النوع من الفخر باللغة
والحفاظ عليها وعدم التحدث بسواها، وأنها مقدمة على غيرها، وكذلك أغلب
الشعوب التى استطاعت على مر التاريخ أن تحقق لنفسها موضع قدم، فى ظل الغاب
الغاب هذا.
هذا النوع من الفخر المفتقد للأسف ممن يقودون الأمة
اليوم ويسعون زعماً إلى ريادتها لا يمكن تحققه. فالهزيمة النفسية متى تملكت
من العبد لا يمكنه أن يكون صاحب سيادة وفخر.
ولذا كانت من أساليب
القيادة أن يتم تنحية العناصر التى لديها هزيمة نفسية إلى المؤخرة حتى لا
تتسبب فى إحباط باقى العناصر، وأن تُقدَّم العناصرالتى تتطلع إلى الريادة
ولها هذا النوع من الفخر.
بل إن هذا الفخر قد يكون اليوم ومنذ
القدم هو ما تركز عليه الجيوش غير العقائدية، فلما كان المقاتل الديني لديه
ما يجعله يثبت فى المعارك وهو نيل المعالى، فإن الجيوش غير العقائدية
تستبدل معانى الدين بكلمات الفخر والعزة والكرامة، وذلك لإحلال هذه الروح
فى القادة والجند من أجل الاستفادة منهم أقصى استفادة. (1)
عودة مرة أخرى إلى موضوعنا
______________________
كان مما رأيته مع أحد الروس أننى كنت أغبطه لطلاقة لسانه فى الحديث
بالروسية (اللغة الأم بالطبع) ثم تحوله إلى العربية الفصحى، فعندها قال لى
إنه لا يحب التحدث بالروسية، وإنه يفخر بالحديث بالعربية، ويجتهد قدر
الإمكان بالحديث بها مع زملائه.
فلما سألته عن السبب، قال لى ببساطة وهو يضحك وتعلوه ابتسامة فخر: يكفى أنها لغة القرآن الكريم
فتلك نعمة نحن لا نشعر بها اليوم، ولا حول ولا قوة إلا بالله
بل إننى أذكر أن أحد قاطنى القوقاز كان يقول لى: أنا أحسدكم لأنكم تتحدثون
العربية، فبإمكانكم مطالعة كل هذه الكتب فى العلوم الشرعية بدون تحرج،
بينما نجد نحن مشقة فى هذا الأمر.
ثم كانت الكلمة التى تسببت لى
بأيما إحراج أمام نفسى عندما كان أحد الإخوة الأجانب يتحدث معى ويستمع إلى
أسلوبى الركيك فى الكلام العامي وكذلك أخطائى فى الكلام، فقال لى :
هل تحب أن أعطيك دروساً فى اللغة العربية :)
بقلم : محمد جاب الله
مراجعة: خالد صديق
________________________________________________
(1) – دعوة المقاومة الإسلامية العالمية ص 19 – أبى مصعب السورى(فك الله
أسره) تحت عنوان "الفارق بين المقاتل المحارب و المجاهد و الجندى
العقائدى"- دار إشبيلية