الخميس، سبتمبر 27، 2012

مناقشة المنطلقات و العقبات امام العمل الاسلامى قضية الحريات و رفع الاضطهاد



مناقشة المنطلقات و العقبات امام العمل الاسلامى قضية الحريات و رفع الاضطهاد



أصل هذا الموضوع هو ردٌّ حول أين الإسلاميين من قضايا الحريات وأنه حريٌّ بالإسلاميين أن يكفوا عن المتاجرة بالاضهاد الذى تعرضوا له على يد الأنظمة الطاغوتية وعليهم أن يناصروا قضايا الحريات بلا تمييز كما ناصرها مخالفيهم من قبل

هناك منطلقات و هناك عقبات فى تلك القضية المثارة الآن:

1- فكرة الحريات لم تكن مسيطرة تماماً على الخطاب الإسلامى والسلفى خصوصاً فى الفترة الماضية بل كان جُل الخطاب حول الدعوة والتحرر من ربقة الحكام الطواغيت وإمكانية التعاون الإسلامى أو السلفى من أجل هذا الهدف.

2- أن العمل الإسلامى و السلفى --قديما-- كان يتحرك بالالتزام بالضوابط الشرعية، بمعنى أنه يناصر كل مظلوم لكن فى نفس الوقت لا يمكن أن يعنى هذا إقراره لبعض المحرمات.

3- ضرب الشيخ أبو إسحاق مثالاً على هذا فى مسألة النقاب قديماً وقت الأزمه فقال: إننا نُدفَع إلى أن نساند من يقول "بالحريات" فمثلاً هم سيساندونا فى النقاب و نحن يجب أن نساندهم فى التبرح من باب أن القضية حريات مطلقة.

4- أن العمل الإسلامى كان مضيقاً عليه ولا ينكر هذا إلا أعمى البصيرة خاصة العمل الجهادى ضد الطواغيت. بالتالى كان من الصعب جداً التحرك فى أعمال حقوقية ضد الأنظمة الظالمة إلا إذا كانت خارج مصر.

5- من المنظمات التى دعمت هذا عدة مراكز فى العمل الإسلامى منها:
المرصد الإسلامى: د ياسر سرى
مركز المقريزى للدرسات: د هانى السباعى
6- مساحة الحريات التى كانت متاحة للمنظمات العاملة فى الحريات من المجتمع المدنى سواء فى عهد النظام أو الآن بسبب العلاقات الطيبة لها مع أوروبا وأمريكا مما كان يجعل التعامل الأمني لابد أن يكون منضبطاً معهم و ليس بطشاً مثل التعامل مع العمل الإسلامى خاصة الذى أدرك أن النظام لن يسقط إلا بقوة.

7- لا يمكن أن نقول إن كل المنظمات التى تعمل فى هذا المجال فعلت هذا فى دعم الإسلاميين بل منهم من غض الطرف عن بعض أو قل كثير من الممارسات ضد الإسلاميين بل ومنها من بارك هذا من الدولة بحجة مكافحة الإرهاب

8- بالنسبه الى بعض الحركات الحقوقيه فلم تتعامل بما يتلائم معها على أنها حركة تدعم الحريات و المظلومين إلا فى القضايا التى تحسن صورتها أمام المجتمع و إلا لم نرى شيئاً منها عما حدث فى سيناء و لو بالسؤال فقط  و اثارة القضيه فقط كما ا ثارها فقط – ا  حازم صلاح
--

9- في بعض الحالات، بعض المنظمات التى تدعو إلى الحريات و تناصر كل القضايا تأتى فى البعض و تتغافل لأي حجة مثل الإرهاب أو التطرف وهكذا فكيف يمكنك أن تقنع "موحداً" أن يناصر قضية شخص عُلِم عنه سب الدين وسب الله وسب القرآن والاستهزاء بآيات القران وكتابتها بصورة مستهزئة، إلا إذا نفيت من قلبه أصل موالاة الله والبراءة من المشركين.

10- مثال تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2012 وانظر إلى موضع الإسلاميين فى هذا التقرير وهذا مثال منظمة مشهورة جداً و يقال إنها حيادية فى العرض
11- كم منظمة حقوقية تحدثت لن أقول قبل الثورة بل أقول بعد الثورة عن قضايا الإسلاميين المعتقلين ظلما أمثال الشيخ أحمد سلامة مبروك والشيخ عمر عبد الرحمن ومجزرة سيناء

12- إذاً لكى نقيم الموضوع أولاً بصورة منضبطة نحتاج إلى التالى:

إ- إعادة طرح مفهوم الحريات فى الإسلام وفق أسلوب شرعى وليس فقط الانجرار و راء الغرب أى يأتى الأمر بقناعة إسلامية داخلية

ب- طرح الأمثلة من السنة على مناصرة المظلومين حتى لو كانوا من أصحاب الديانات الأخرى طالما أن الأمر دخل فى حيز الظلم الذى هو منهى عنه بالأصل
- قل يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى ........--

ج- دراسة عمل المنظمات فى المجتمع المدنى وبالتالى يمكن معرفة أساليب الضغط القانونية والتى لا تخالف الشريعة.
د- التخلى عن فكرة الحزبيه فى رفع الظلم فمثلا تجد الاخوانى يدافع عن الاخوانى و السلفى عن السلفى بل يكون الخطاب بوجوب رفع الظلم عن الجميع طالما انه ظلم.

ه- الالتزام بالضوابط الشرعيه و التى تمثل اساس نقاء المنهج الاسلامى و تميزة و التى تحافظ على هويته حتى فى اشد الظروف حلكه ومنها منع الاختلاط الغير مبرر و الالتزام بضوابط التعامل مع الظالمين و ابقاء حقوق الاسلام للظالم ان ثبت له عقد الاسلام بيقين.

و - ضبط مسألة العفو لدى الإسلاميين والاحتساب حيث أن جُل الإسلاميين يتعاملون مع قضايا التعذيب اللا آدمى الذى تعرضوا له من باب الاحتساب والصبر وأن الأجر عند الله. وأضرب مثالاً بالشيخ محمد عبد السلام فرج - رحمه الله - فقد تم كسر فخذه فى سجن القلعة وعندما طُلِب منه فى المحاكمه أن يتكلم عما وقع له وأن الاعترافات أُخِذت منه جبراً قال: إني أحتسب ما وقع لى عند الله

ز- إمكانية التنسيق بين المنظمات العاملة فى حقوق الإنسان (وفق المفهوم الإسلامى) سواءً الإسلاميه أو المدنية فى النقاط المتفق عليها
ح- إذا تخلى العمل الإسلامى عما يميزه فى منهج واضح وصريح وضوابط شرعية محددة فرضتها الأدلة المعتبرة سواءً الصريحة أو المستنبطة فإنه في تلك الحالة عليه أن يتخلى عن مسماه لأنه سيصير مجرد مسخ فقط

ط- والشيء بالشيء يذكر وهو تعقيب على من قال بتباكى الإسلاميين عندما يقول نتباكى فولله الحمد الموحدون لا يتباكون إلا قهراً وهذا لا يضرهم وعندما يقول أحدهم لم يجد مناصرة من الإسلاميين ضد التمييز فهذا إغماط للحق
نضرب مثالاً على هذا:

1- فى عام 2008 خطاب من د. أيمن الظواهرى بعنوان الأزهر عرين الأسود والحديث على وجوب دعم الطلاب فى الجامعات الذين يتعرضون للاضطهاد من قبل الجامعة

2-فى عام 2007 على ما أذكر حديث للدكتور أيمن الظواهرى عن التعذيب فى أقسام الشرطة المصرية والحديث كان على عماد الكبير ولا اعتقد أن عماد الكبير سلفي أو إخوانى

3- فى عام 1991 د. أيمن الظواهرى يصدر كتابه الشهير "الكتاب الأسود" و فيه يسطر وقائعاً من التعذيب والانتهاكات التى وقعت للشعب المصرى وليس فقط الإسلاميين

بل انطلق إلى أبعد مما تتشدق به منظمات الحريات ألا وهو تعذيب الشرطة للشرطة

و هذه بعض الأمثلة.

كذلك د سعد الفقيه فى الحركة الإسلامية للإصلاح وإن كانت فى بلاد الحرمين فإن خطاب الحريات والدفاع عن المعتقلين والمظلومين جيد جداً

ى- إذاً فلابد أن يكون العرض لمثل تلك القضايا حيادياً موضوعياً ملماً ببعض جوانبه نعم نعترف بتقصير لكن لا نغمط حق إخواننا الذين سبقونا فى هذا العمل
و نؤكد مرة ثانية على الالتزام بضوابط الشريعة فهذا ما يميزنا فإن انتفت أصبحنا مجرد مسخ فقط
خاتمة

نذكر بالشكر إلى بعض المنظمات التى أدت من المعروف إلى الإسلاميين سواء فى عهد الطاغوت حسنى مبارك أو إلى الآن فى بلاد المسلمين المحتلة ومنهم
1- مركز هشام مبارك
2- منظمة الصليب الأحمر
3- مركز النديم
4- منظمه هيومن رايتس ووتش
5- المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان

وإن كان لي تحفظ على بعض إصداراتهم ولكن هذه بعض الأمثلة على منظمات ساعدت فى فضح الأنظمة الطاغوتية والأنظمة المجرمة وساعدت فى الارتقاء بوضع المعتقلين وعلى رأسهم الصليب الأحمر الدولى

هذا ما تيسر إجمالاً فى عرض تصور بسيط حول المنطلقات والعقبات للعمل الإسلامى فى مسألة الحريات ودعم قضايا رفع الظلم و منع التمييز

بقلم: محمد جاب الله
تدقيق املائى: خالد صديق  

 


الاثنين، سبتمبر 24، 2012

تلبيس ابليس - مصلحة الدعوة -

سئل شيخ الإسلام علامة الزمان. تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني رضي الله عنه.


===========================================================
عن "جماعة" يجتمعون على قصد الكبائر: من القتل، وقطع الطريق، والسرقة، وشرب الخمر، وغير ذلك. ثم إن شيخاً من المشائخ المعروفين بالخير واتباع السنة قصد منع المذكورين من ذلك، فلم يمكنه إلا أن يقيم لهم سماعا يجتمعون فيه بهذه النية، وهو بدف بلا صلاصل ، وغناء المغني بشعر مباح بغير شبابة ، فلما فعل هذا تاب منهم جماعة، واصبح من لا يصلي ويسرق ولا يزكي، يتورع عن الشبهات، ويؤدي المفروضات، ويجتنب المحرمات. فهل يباح فعل هذا السماع لهذا الشيخ على هذا الوجه، لما يترتب عليه من المصالح؟ مع أنه لا يمكنه دعوتهم إلا بهذا؟

============================================================

فأجاب:

الحمد لله رب العالمين.

اصل جواب هذه المسألة وما أشبهها: أن يُعلم أن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى، ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً.

 وأنه أكمل له ولأمته الدين، كما قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة: 3].
وأنه بشر بالسعادة لمن أطاعه والشقاوة لمن عصاه، فقال تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً} [النساء: 69]، وقال تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداًْ} [الجن: 23].

وأمر الخلق أن يردوا ما تنازعوا فيه من دينهم إلى ما بعثه به، كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [النساء: 59]. واخبر أنه يدعو إلى الله وإلى صراطه المستقيم، كما قال تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} [يوسف: 108]، وقال تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور} [الشورى: 52 - 53].

وأخبر أنه يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويحل الطيبات، ويحرم الخبائث. كما قال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل * يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث. ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون} [الأعراف: 156 - 157].

وقد أمر الله الرسول صلى الله عليه وسلم بكل معروف ونهى عن كل منكر. وأحل كل طيب. وحرم كل خبيث. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال: (ما بعث الله نبياً إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم) ، وثبت عن العرباض بن سارية قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون. قال فقلنا يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا. فقال: أوصيكم بالسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور. فإن كل بدعة ضلالة) . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما تركت من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به) . وقال: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك) .

وشواهد هذا "الأصل العظيم الجامع" من الكتاب والسنة كثيرة وترجم عليه أهل العلم في الكتب. "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة" كما ترجم عليه البخاري والبغوي وغيرهما. فمن اعتصم بالكتاب والسنة كان من أولياء الله المتقين. وحزبه المفلحين، وجنده الغالبين. وكان السلف - كمالك وغيره - يقولون: (السنة كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق)، وقال الزهري: (كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة).

إذا عُرف هذا فمعلوم أن ما يهدي الله به الضالين ويرشد به الغاوين ويتوب به على العاصين، لابد أن يكون فيما بعث الله به رسوله من الكتاب والسنة ، وإلا فإنه لو كان ما بعث الله به الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكفي في ذلك، لكان دين الرسول ناقصاً، محتاجا تتمة.
 وينبغي أن يعلم أن الأعمال الصالحة أمر الله بها أمر إيجاب أو استحباب. والأعمال الفاسدة نهى الله عنها.
والعمل إذا اشتمل على مصلحة ومفسدة، فإنّ الشارع حكيم فإن غلبت مصلحته على مفسدته شرعه، وإن غلبت مفسدته على مصلحته لم يشرعه؛ بل نهى عنه . كما قال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم. والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216]، وقال تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر، قل: فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} [البقرة: 219]، ولهذا حرمهما الله تعالى بعد ذلك.

وهكذا ما يراه الناس من الأعمال مقرباً إلى الله، ولم يشرعه الله ورسوله؛ فإنه لا بد أن يكون ضرره أعظم من نفعه. وإلا فلو كان نفعه أعظم غالباً على ضرره لم يهمله الشارع؛ فإنه صلى الله عليه وسلم حكيم، لا يهمل مصالح الدين، ولا يفوت المؤمنين ما يقربهم إلى رب العالمين.
إذا تبين هذا فنقول للسائل:

إن الشيخ المذكور قصد أن يتوب المجتمعين على الكبائر، فلم يمكنه ذلك إلا بما ذكره من الطريق البدعي، يدل أن الشيخ جاهل بالطرق الشرعية التي بها تتوب العصاة، أو عاجز عنها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هو شر من هؤلاء من أهل الكفر والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية، التي أغناهم الله بها عن الطرق البدعية.

فلا يجوز أن يقال: إنه ليس في الطرق الشرعية التي بعث الله بها نبيه ما يتوب به العصاة، فإنه قد علم بالاضطرار والنقل المتواتر أنه قد تاب من الكفر والفسوق والعصيان من لا يحصيه إلا الله تعالى من الأمم بالطرق الشرعية، التي ليس فيها ما ذكر من الاجتماع البدعي؛ بل السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان - وهم خير أولياء الله المتقين، من هذه الأمة - تابوا إلى الله تعالى بالطرق الشرعية، لا بهذه الطرق البدعية. وأمصار المسلمين وقراهم قديماً وحديثاً مملوءة ممن تاب إلى الله واتقاه، وفعل ما يحبه الله ويرضاه بالطرق الشرعية لا بهذه الطرق البدعية.

فلا يمكن أن يقال: أن العصاة لا تمكن توبتهم إلا بهذه الطرق البدعية، بل قد يقال: أن في الشيوخ من يكون جاهلا بالطرق الشرعية، عاجزاً عنها، ليس عنده علم بالكتاب والسنة، وما يخاطب به الناس، ويسمعهم إياه، مما يتوب الله عليهم، فيعدل هذا الشيخ عن الطرق الشرعية إلى الطرق البدعية. إما مع حسن القصد. إن كان له دين وإما أن يكون غرضه الترأس عليهم، وأخذ أموالهم بالباطل، كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من ا لأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله} [التوبة: 34]، فلا يعدل أحد عن الطرق الشرعية إلى البدعية إلا لجهل، أو عجز، أو غرض فاسد .

وإلا فمن المعلوم أن سماع القرآن هو سماع النبيين، والعارفين، والمؤمنين. قال تعالى في النبيين: {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح، ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل، وممن هدينا واجتبينا، إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً} [مريم : 58].

وقال تعالى في أهل المعرفة: {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق} [المائدة: 83]. وقال تعالى في حق أهل العلم: {إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً * ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً} [الإسراء: 107 - 109]. وقال في المؤمنين: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. أولئك هم المؤمنون حقاً} [الأنفال: 2 - 4]، وقال تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله} [الزمر: 23].

وبهذا السماع هدى الله العباد، واصلح لهم أمر المعاش والمعاد. وبه بعث الرسول صلى الله عليه وسلم. وبه أمر المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان. وعليه كان يجتمع السلف، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا رجلاً منهم أن يقرأ وهم يستمعون، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي موسى: (ذكرنا ربنا). فيقرأ أبو موسى وهم يستمعون.
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ، فجعل يستمع لقراءته، وقال: (لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود) . وقال: (مررت بك البارحة وأنت تقرأ فجعلت أستمع لقراءتك، فقال: لو علمت أنك تسمعني لحبرته لك تحبيراً) . أي لحسنته لك تحسيناً.

وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود: (اقرأ علي القرآن، فقال: أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟! فقال: إني أحب أن أسمعه من غيري. قال: فقرأت عليه سورة النساء حتى وصلت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيداً؟} قال لي: حسبك، فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان من البكاء)  وعلى هذا السماع كان يجتمع القرون الذين أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (خير القرون الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) .

ولم يكن في السلف الأول سماع يجتمع عليه أهل الخير إلا هذا. لا بالحجاز، ولا باليمن، ولا بالشام، ولا بمصر، والعراق؛ وخراسان والمغرب. وإنما حدث السماع المبتدع بعد ذلك وقد مدح الله أهل هذا السماع، المقبلين عليه. وذم المعرضين عنه. واخبر أنه سبب الرحمة. فقال تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) [الأعراف: 204]. وقال تعالى: {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً} [الفرقان: 73]، وقال تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) [الحديد: 16]. وقال تعالى: {ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} [الأنفال: 23]، وقال تعالى (فما لهم عن التذكرة معرضين. كأنهم حمرٌ مستنفرة، فرت من قسورة} [المدثر: 49 - 51]، وقال تعالى: {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه}[الكهف: 57]، وقال تعالى: {فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب: لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً؟ قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى}[طه: 123 - 126]. ومثل هذا في القرآن كثير يأمر الناس باتباع ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، ويأمرهم بسماع ذلك.

وقد شرع الله تعالى السماع للمسلمين: في المغرب، والعشاء، والفجر. قال تعالى: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً} [الإسراء: 78]. وبهذا مدح عبد الله بن رواحة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:

وفينا رسول الله يتلو كتابه                  إذا انشق معروف من الفجر ساطع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه       إذ استثقلت بالكافرين المضاجع
أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا                 به موقنات أنما قال واقع

وأحوال أهل هذا السماع مذكورة في كتاب الله، من وجل القلوب، ودمع العيون، واقشعرار الجلود. وإنما حدث سماع الأبيات بعد هذه القرون، فأنكره الأئمة، حتى قال: (الشافعي رحمه الله خلَّفت ببغداد شيئاً أحدثته الزنادقة، يسمونه التغبير، يزعمون أنه يرقق القلوب، يصدون به الناس عن القرآن).

وسئل الإمام أحمد عنه فقال: (محدث)، فقيل له: أنجلس معهم فيه؟ فقال: (لا يجلس معهم).

والنهي إنما يتوجه إلى الاستماع دون السماع، ولهذا لو مر الرجل بقوم يتكلمون بكلام محرم لم يجب عليه سد أذنيه؛ لكن ليس له أن يستمع من غير حاجة، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر بسد أذنيه لما سمع زمارة الراعي ، لأنه لم يكن مستمعاً بل سامعاً.
وقول السائل وغيره: هل هو حلال؟ أو حرام؟ لفظ مجمل فيه تلبيس، يشتبه الحكم فيه، حتى لا يحسن كثير من المفتين تحرير الجواب فيه؛ وذلك أن الكلام في السماع وغيره من الأفعال على ضربين:

أحدهما: أنه هل هو محرم؟ أو غير محرم؟ بل يفعل كما يفعل سائر الأفعال التي تلتذ بها النفوس، وإن كان فيها نوع من اللهو واللعب، كسماع الأعراس، وغيرها. مما يفعله الناس لقصد اللذة واللهو، لا لقصد العبادة والتقرب إلى الله.
والنوع الثاني: أن يفعل على وجه الديانة، والعبادة، وصلاح القلوب، وتجريد حب العباد لربهم، وتزكية نفوسهم، وتطهير قلوبهم. وأن تحرك من القلوب الخشية، والإنابة، والحب، ورقة القلوب، وغير ذلك مما هو من جنس العبادات، والطاعات، لا من جنس اللعب والملهيات.

فيجب الفرق بين سماع المتقربين، وسماع المتلعبين، وبين السماع الذي يفعله الناس في الأعراس، والأفراح، ونحو ذلك من العادات، وبين السماع الذي يفعل لصلاح القلوب، والتقرب إلى رب السموات فإن هذا يُسأل عنه: هل هو قربة وطاعة؟ وهل هو طريق إلى الله؟ وهل لهم بد من أن يفعلوه لما فيه من رقة قلوبهم، وتحريك وجدهم لمحبوبهم، وتزكية نفوسهم، وإزالة القسوة عن قلوبهم، ونحو ذلك من المقاصد التي تقصد بالسماع؟ كما أن النصارى يفعلون مثل هذا السماع في كنائسهم على وجه العبادة والطاعة، لا على وجه اللهو واللعب.

إذا عرف هذا فحقيقة السؤال: هل يباح للشيخ أن يجعل هذه الأمور التي هي: إما محرمة؟ أو مكروهة؟ أو مباحة؟ قربة وعبادة وطاعة، وطريقة إلى الله يدعو بها إلى الله، ويتوب العاصين، ويرشد به الغاوين، ويهدي به الضالين.
ومن المعلوم أن الدين له "أصلان" فلا دين إلا ما شرع الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله. والله تعالى عاب على المشركين أنهم حرموا ما لم يحرمه الله، وشرعوا ديناً لم يأذن به الله.

ولو سئل العالم عمن يعدو بين جبلين: هل يباح له ذلك؟ قال: نعم، فإذا قيل: إنه على وجه العبادة كما يسعى بين الصفا والمروة، قال: إن فعله على هذا الوجه حرام منكر، يستتاب فاعله، فإن تاب وإلا قتل .
ولو سئل: عن كشف الرأس، ولبس الإزار، والرداء: أفتى أن هذا جائز، فإذا قيل: إنه يفعله على وجه الإحرام. كما يحرم الحاج. قال: إن هذا حرام منكر.
ولو سئل: عمن يقوم في الشمس. قال: هذا جائز. فإذا قيل: إنه يفعله على وجه العبادة. قال: هذا منكر. كما روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائماً في الشمس. فقال: (من هذا؟)، قالوا: هذا أبو إسرائيل يريد أن يقوم في الشمس، ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروة فليتكلم، وليجلس، وليستظل وليتم صومه) ؛ فهذا لو فعله لراحة، أو غرض مباح لم يُنه عنه: لكن لما فعله على وجه العبادة نهي عنه.

وكذلك لو دخل الرجل إلى بيته من خلف البيت، لم يحرم عليه ذلك، ولكن إذا فعل ذلك على أنه عبادة. كما كانوا يفعلون في الجاهلية: كان أحدهم إذا أحرم لم يدخل تحت سقف، فنهوا عن ذلك، كما قال تعالى: {ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها}، فبين سبحانه أن هذا ليس ببر، وإن لم يكن حراماً، فمن فعله على وجه البر والتقرب إلى الله كان عاصياً، مذموماً، مبتدعاً، والبدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن العاصي يعلم أنه عاص فيتوب، والمبتدع يحسب أن الذي يفعله طاعة فلا يتوب.
ولهذا من حضر السماع للعب واللهو لا يعده من صالح عمله، ولا يرجو به الثواب، وأما من فعله على أنه طريق إلى الله تعالى فإنه يتخذه ديناً، وإذا نهى عنه كان كمن نهى عن دينه ، ورأى أنه قد انقطع عن الله، وحرم نصيبه من الله تعالى إذا تركه. فهؤلاء ضُلاّل باتفاق علماء المسلمين، ولا يقول أحد من أئمة المسلمين: إن اتخاذ هذا ديناً وطريقاً إلى الله تعالى أمر مباح؛ بل من جعل هذا ديناً وطريقاً إلى الله تعالى فهو ضال،مفتر، مخالف لإجماع المسلمين، ومن نظر إلى ظاهر العمل وتكلم عليه، ولم ينظر إلى فعل العامل ونيته كان جاهلاً متكلماً في الدين بلا علم.

فالسؤال عن مثل هذا أن يقال: هل ما يفعله هؤلاء طريق وقربة وطاعة لله تعالى يحبها الله ورسوله أم لا؟ وهل يثابون على ذلك أم لا؟ وإذا لم يكن هذا قربة وطاعة وعبادة لله، ففعلوه على أنه قربة وطاعة وعبادة وطريق إلى الله تعالى. هل يحل لهم هذا الاعتقاد؟ وهذا العمل على هذا الوجه؟

وإذا كان السؤال على هذا الوجه لم يكن للعالم المتبع للرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول: إن هذا من القرب والطاعات. وأنه من أنواع العبادات، وأنه من سبيل الله تعالى وطريقه الذي يدعو به هؤلاء إليه، ولا أنه مما أمر الله تعالى به عباده: لا أمر إيجاب، ولا أمر استحباب، وما لم يكن من الواجبات والمستحبات فليس هو محموداً، ولا حسنة، ولا طاعة، ولا عبادة، باتفاق المسلمين.

فمن فعل ما ليس بواجب ولا مستحب على أنه من جنس الواجب أو المستحب فهو ضال مبتدع، وفعله على هذا الوجه حرام بلا ريب . لا سيما كثير من هؤلاء الذين يتخذون هذا السماع المحدث طريقاً يقدمونه على سماع القرآن وجداً وذوقاً. وربما قدموه عليه اعتقاداً، فتجدهم يسمعون القرآن بقلوب لاهية، وألسن لاغية، وحركات مضطربة، وأصوات لا تقبل عليه قلوبهم، ولا ترتاح إليه نفوسهم، فإذا سمعوا "المكاء" و"التصدية"  أصغت القلوب، واتصل المحبوب بالمحب، وخشعت الأصوات، وسكنت الحركات، فلا سعلة، ولا عطاس، ولا لغط، ولا صياح، وإن قرؤوا شيئاً من القرآن، أو سمعوه كان على وجه التكلف والسخرة، كما  يسمع الإنسان ما لا حاجة له به، ولا فائدة له فيه، حتى إذا ما سمعوا مزمار الشيطان أحبوا ذلك، وأقبلوا عليه، وعكفت أرواحهم عليه.

فهؤلاء جند الشيطان، وأعداء الرحمن، وهم يظنون أنهم من أولياء الله المتقين، وحالهم أشبه بحال أعداء الله المنافقين؛ فإن المؤمن يحب ما أحبه الله تعالى، ويبغض ما أبغض الله تعالى، ويوالي أولياء الله، ويعادي أعداء الله، وهؤلاء يحبون ما أبغض الله، ويبغضون ما أحب الله، ويوالون أعداء الله، ويعادون أولياءه ، ولهذا يحصل لهم تنزلات شيطانية بحسب ما فعلوه من مزامير الشيطان، وكلما بعدوا عن الله ورسوله وطريق المؤمنين قربوا من أعداء الله ورسوله، وجند الشيطان.

ففيهم من يطير في الهواء والشيطان طائر به، ومنهم من يصرع الحاضرين وشياطينه تصرعهم، وفيهم من يحضر طعاماً، وإداماً. ويملأ الإبريق من الهواء والشياطين فعلت ذلك. فيحسب الجاهلون أن هذه من كرامات أولياء الله المتقين، وإنما هي من جنس أحوال الكهنة والسحرة وأمثالهم من الشياطين، ومن يميز بين الأحوال الرحمانية والنفسانية والشيطانية لا يشتبه عليه الحق بالباطل.
وبالله التوفيق.

والله أعلم

وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم

الجمعة، سبتمبر 21، 2012

ما بين عوام الموحدين و علماء المشركين

وأعلم: أنه سبحانه من حكمته لم يبعث نبيا بهذا التوحيد إلا جعل له أعداء/ كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدو شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً}.

وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج كما قال تعالى: {فلما جاءتهم رسلهم بالبينات، فرحوا بما عندهم من العلم}.

إذا عرفت ذلك، وعرفت أن الطريق إلى الله لا بد له من أعداء قاعدين عليه أهل فصاحة وعلمٍ وحُجج، فالواجب عليك أن تتعلم من دين الله ما يصير لك سلاحاً تقابل به هؤلاء الشياطين الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك عز وجل: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين}.

ولكن إذا أقبلت على الله، وأصغيت إلى حججه وبيناته، فلا تخف ولا تحزن {إن كيد الشيطان كان ضعيفاً}، والعامي من الموحدين يغلب ألفاً من علماء هؤلاء المشركين، كما قال تعالى: {وإن جندنا لهم الغالبون}، فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان، وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح، وقد من الله تعالى علينا بكتابه الذي جعله "تبياناً لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين" فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها، كما قال تعالى: {ولا يأتونك بمثلٍ إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً}، قال بعض المفسرين: (هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة). 


                                                                   


                                                                              الشيخ المجدد : محمد بن عبدالوهاب 

الثلاثاء، سبتمبر 18، 2012

مختصر: اداب المتعلم




بسم الله الرحمن الرحيم

مختصر: اداب المتعلم

طالب العلم ليس أمامه إلا طريقان للتعلم:

إما بالتلقي عن العلماء وإما بمطالعة الكتب، وأيما كان الطريق الذي يسلكه للتعلم فإنه لابد له من آداب يتأدب بها في تعلّمه، ليُكتب له التوفيق والفلاح في سعيه.

فالأدب عُدَّة المتعلم في طلبه للعلم، فبقدر أدبه بقدر ما يجود عليه أستاذه من علمه، وبقدر أدبه بقدر ما يستفيد من أقرانه في طلب العلم، وبقدر أدبه بقدر ما يفتح الله تعالى عليه في هذا وفي الفهم والاستيعاب إذ كان حُسْن الخلق مظنة التوفيق.
القسم الأول: آداب المتعلِّم في نفسه

1 -
الإخلاص
2 -
تنزيه النفس عن المعاصي الظاهرة والباطنة
3 -
التحليِّ بمحاسن الأخلاق
4 -
طلب العلم في الصِّغر
5 -
تقليل العلائق
6 -
الصبر
1- إخلاص النية في طلب العلم وتعليمه

إخلاص النيّة هو لب العبادة وشرط قبول الأعمال عند الله تعالى، وفساد النيّة وبال على صاحبه في الدنيا والآخرة. ولمعرفة حقيقة هذا الأمر وعِظم شأنه نذكر عدة مسائل لبيانه، وهى:

1 -
تعريف النيّة.
2 -
حقيقة النيّة.
3 -
محل النيّة.
4 -
الغرض الذي شرعت لأجله النيّة مع بيان أقسامها.
5 -
الأعمال التي تؤثر فيها النيّة.
6 -
تعريف الإخلاص وبيان حقيقته.
7 -
التعبد بالإخلاص.
8 -
بيان أن الإخلاص شرط في قبول الأعمال.
9 -
علامات إخلاص النيّة في طلب العلم.
10 -
فضائل إخلاص النيّة في طلب العلم.
11 -
خطر فساد النيّة في طلب العلم.
أولا - تعريف النية:

يقال نوى الأمرَ نيَّة: أي قصدَهُ وعزم عليه، فالنيَّة: هى الإرادة والقصد، ولما كان محلها القلب، فالنيّة هى (قصد القلب وإرادته).
هذا هو التعريف المختار من مجمل تعريفات أهل اللغة وأهل الفقه والحديث للنية .

الإخلاص فهو أخص من النيّة، وهو أحد أقسامها، فكل إخلاص ٍ نيّة ٌُ، وليست كل نية إخلاصاً

(
فائدة): لم يرد لفظ (النيّة) في القرآن وإنما في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، أما القرآن فقد وردت فيه ألفاظ أخرى بمعنى النية،
ثانيا - حقيقة النية:

لما كانت النيّة هى إرادة القلب وقصده، فإنه لايتصور وجودها إلا بعلم قبلها، أى علم ٍ بالشيء المراد المقصود - سواء كان هذا العلم حقا أو باطلا كالجهل المركب، وسواء كان هذا العلم خيرا أم شراً - فإذا علمت النفسُ المرادَ وانعقدت إرادته في القلب، فإن الجوارح تنبعث لتحقيقه وهذا هو العمل وقد يقع العمل أو لا يقع بحسب القدرة عليه.

فالخلاصة: أن النية واقعة بين العلم والعمل.

وهذا خلاصة رأى ابو حامد الغزالى (إحياء علوم الدين) ج 4 ص 384 - 385
ثالثا - محل النية:

النيّة عمل من أعمال القلب، فمحلها القلب باتفاق العلماء . والأدلة على هذا كثيرة منها:

قوله تعالى (وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) البقرة: ٢٢٥.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله لاينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) .

قال أبو حامد الغزالي رحمه الله [وإنما نظر إلى القلوب لأنها مظنة النيّة] .

في قوله صلى الله عليه وسلم (من سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه) .

فهذا نال الثواب (بلوغ منازل الشهداء) وإن لم يقع منه العمل المراد (الشهادة) بنيّته (إرادته الجازمة) التي ظهرت في لفظ (سأل الله الشهادة بصدق).
رابعا - الغرض الذي شُرعت لأجله النية مع بيان أقسامها:

اعلم أن الغرض الذي شرعت لأجله النيّة هو التمييز. أي تمييز الأمور بعضها من بعض.
وتنقسم النيّة إلى قسمين أساسيين:

1
نيّة تمييز عمل ٍ من عمل ٍ،
ومنها
نية تمييز العبادة من العادة: كالغُسل الواجب من غُسل التّبرد

2
ونيّة تمييز معمول ٍ له من معمول له.
و فيها
إذا كان المعمول له واحداً سميت نيّة خالصة، وسمي صاحبها مخلصاً، سواء كان المعمول له هو الله تعالى أم غيره، ولكن العادة جارية بتخصيص اسم الإخلاص بالعمل لله وحده أي بتجريد قصد التقرب إلى الله تعالى عن جميع الشوائب. فمن ذبح تقربا لله وحده فهو مخلص

أما إذا كان المعمول له أكثر من واحد، فهى نيّة فيها تشريك، كالرياء: يعمل العبد لله تعالى وله غرض آخر كأن يحمده الناس.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركْتُه وشِركَه)
خامسا - الأعمال التي تؤثر فيها النيّة:

1
تنقسم الأعمال من حيث الاختيار إلى أعمال اختيارية وأعمال غير اختيارية.

أ - أما الأعمال الاختيارية أي مايريده العبد ويختاره، فهذه تؤثر فيها النيّة.

ب - وأما الأعمال غير الاختيارية: فهى الأعمال التي ليس للعبد فيها إرادة ولاقصد، بل تقع منه بغيرقصد وبغير اختيار، فهذه لا نيّة فيها، ومثالها عمل الناسي والمخطيء والنائم. قال البخاري رحمه الله [قال النبي صلى الله عليه وسلم « لكل امريء مانوى »، ولانيّة للناسي والمخطيء].

2
تنقسم الأعمال من حيث مشروعيتها إلى طاعات ٍ ومعاص ٍ ومباحات.

والنيّة تؤثر في الطاعات والمباحات

ولا تؤثر في المعصية فلا تخرجها النية عن كونها معصية ولاتقلبها إلى طاعة، وإنما قد تزيد النيّة من إثم مرتكب المعصية.

بالنسبة الى النيه الفاسدة فى العمل المشروع سواء بالمعمول له او تمييز النيه فهذا يفسد العمل لانه فسد العمل الذى شرعت له النيه
سادسا - تعريف الإخلاص وبيان حقيقته:

في اللغة: هو إفراد المعمول له بالقصد.
أو هو تخليص الغرض الباعث على العمل من المشاركة.

أما في الشرع: فالإخلاص هو قصد الله تعالى وحده بالعمل، طاعة له.

وعلى هذا فالإخلاص أخصّ من النيّة، فكل إخلاص هو نية، وليست كل نيّة إخلاصا، إذ النيّة هى قصد القلب أما الإخلاص فهو قصد مخصوص للقلب.
سابعا - التعبّد بالإخلاص:

قال تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) البينة: ٥.

قال أيوب السَّختياني رحمه الله [تخليص النيّات على العُمّال أشد عليهم من جميع الأعمال] .

وقال سفيان الثوري رحمه الله [كانوا يتعلّمون النية للعمل كما تتعلمون العمل] .
ثامنا - بيان أن الإخلاص شرط في قبول الأعمال:

قال تعالى (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) الكهف: ١١٠، جمعت هذه الآية شرطي قبول العمل، وهما:

1 -
الشرط الأول: الإخلاص
2 -
الشرط الثاني: متابعة الشريعة
 قال ابن القيم رحمه الله

[
الأعمال أربعة: واحد مقبول، وثلاثة مردودة، فالمقبول ما كان لله خالصاً وللسنة موافقاً، والمردود مافقد منه الوصفان أو أحدهما، وذلك أن العمل المقبول هو ماأحبه الله ورضيه، وهو سبحانه إنما يحب ما أمَرَ به وما عُمِلَ لوجهه، وماعدا ذلك من الأعمال فإنه لايحبها، بل يمقتها ويمقت أهلها
تاسعا - علامات إخلاص النية في طلب العلم:

للإخلاص حد، وعلامات:

أما حَدُّه: فألا يبتغي طالب العلم بطلبه إلا رضوان الله تعالى.

وأما علاماته: فللإخلاص علامات، وهى أن يعمل في علمه بما يُرضي الله تعالى إذا كان مخلصا في الطلب مبتغيا رضوان الله وحده

1 -
أن يكون قصده في طلب العلم أن يتحرى الحق والهدى ويطلبه، ولايكون قصده طلب ما يوافق هواه من الأدلة أو طلب العلم لينصر به بدعة ً أو مذهبا فاسداً

2 -
أن يعمل العالم وطالب العلم بما تعلمه

3 -
أن يُبَلِّغ ما عنده من العلم خاصة إذا رأي الحاجة داعية لذلك

4 -
أن يصبر على مايصيبه من جراء كل هذا، فهذا سبيل الأنبياء عليهم السلام، والعلماء ورثتهم،
قال تعالى (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) لقمان: ١٧.

وقال تعالى (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت: ٢ - ٣،

وقال تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) السجدة: ٢٤.
عاشرا - فضائل إخلاص النية في طلب العلم وغيره من الطاعات:

إخلاص النية لله تعالى في الأعمال سبب من أسباب التوفيق في الدنيا والآخرة

1 -
قبول الله تعالى للعمل وإثابة صاحبه
قال تعالى (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) الزمر: ٣ ، فإن لم يكن خالصا فليس لله ولايقبله ولاينفع صاحبه.

2 -
ومن ثواب الإخلاص التوفيق في العمل والسداد:\
قال الله عزوجل (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت: ٦٩

3 -
ومن ثواب الإخلاص أن يحفظ الله صاحبه من غواية الشيطان:
قال تعالى - حاكيا عن إبليس (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) ص: ٨٢ -٨٣.

4 -
ومن ثواب الإخلاص أن يكفي الله صاحبه شر الناس وكيدهم:
قال تعالى (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) يوسف: ٢٤.

هذه بعض فضائل الإخلاص، ويكفي أن الطاعة لاتُقْبل إلا به، ومن هذا طلب العلم، وأهل العلم هم أولى الناس باستحضار هذه المعاني دوما ومجاهدة النفس في امتثالها، قال تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) الزمر: ٩.
حادي عشر - بيان خطر فساد النية في طلب العلم.

ذكر أبو حامد الغزالي رحمه الله أمثلة للأغراض التي تفسد الإخلاص في طلب العلم، فقال:

[
أو يتعلم العلم ليسهل عليه طلب مايكفيه من المال أو ليكون عزيزاً بين العشيرة، أو ليكون عقاره أو ماله محروساً بعز العلم عن الأطماع. أو اشتغل بالدرس والوعظ ليتخلص من كرب الصمت ويتفرج بلذة الحديث. أو تكفل بخدمة العلماء الصوفية لتكون حرمته وافرة عندهم وعند الناس، أو لينال به رفقاً في الدنيا. أو كتب مصحفاً ليجوِّد بالمواظبة على الكتابة خطه. - إلى أن قال - فمهما كان باعثه هو التقرب إلى الله تعالى ولكن انضاف إلىه خطرة من هذه الخطرات، حتى صار العمل أخف عليه بسبب هذه الأمور، فقد خرج عمله عن حدّ الإخلاص وخرج عن أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى وتَطَرَّق إليه الشرك. وقد قال تعالى: «أنا أغنى الشركاء عن الشركة».
وبالجملة، كل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس ويميل إليه القلب - قل أم كثر - إذا تطرق إلى العمل تَكدَّر به صفوه وزال به إخلاصه] .

قال صلى الله عليه وسلم (من تعلّم علما مما يُبْتغى به وجه الله عزوجل لايتعلمه إلا ليصيب به عَرَضاً من الدنيا لم يجد عَرْف الجنة يوم القيامة)
اللهم ارزقنى الادب مع علماء المسلمين العاملين و اغفر لى ذلات اللسان
ربنا اغفر لى و لا خواننا الذين سبقونا بالايمان
ربنا و لا تجعل فى قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم

2 - تنزيه النفس عن المعاصي الظاهرة والباطنة.
بعد ان انتهينا من القسم الاول من اداب المتعلم مع نفسه و هو الاخلاص ننتقل الى القسم الثانى و هو :

تنزيه النفس عن المعاصي الظاهرة و(((الباطنة))).

قال الله عزوجل (وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ) الأنعام: ١٢٠

جعل الله المعاصي الظاهرة والباطنة سواء في التحريم وفي الأمر باجتنابها، فقد يهتم العبد بالتنزه عن المعاصي الظاهرة ويُغفل الباطنة وهى أشد فتكاً، وهذا من الغفلة وفيه شبهة رياء إذ اهتم بما يطلع عليه الناس من المعاصي الظاهرة وأغفل التنزه عن المعاصي الباطنة التي لايطلع عليها إلا الله تعالى

روى الخطيب البغدادي بإسناده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال [إني لأحْسِبُ العبدَ ينسى العلم َ كان يعلمه بالخطيئة يعملها]
نقل النووي عن الشافعي رحمهما الله قوله

[
من أحب أن يفتح الله قلبه أو ينِوِّره فعليه بترك الكلام فيما لايعنيه، واجتناب المعاصي، ويكون له خبيئة فيما بينه وبين الله تعالى من عمل، وفي رواية: فعليه بالخلوة وقلة الأكل وترك مخالطة السفهاء وبُغض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف ولا أدب] .
(
المجموع) ج 1 ص 35
المعاصي الظاهرة:

منها معاصي اللسان من الغيبة والنميمة والسبّ والكذب، ومنها معاصي السمع والبصر، ومعاصي الفرج، وأكل الحرام والغش والظلم والخداع والبغي وغيرها.

والمعاصي الباطنة

والتي كثيراً مايغفل عنها الإنسان منها الرياء والكِبْر والعُجب والحسد وسوء الظن وحب المعاصي وحب العصاة والظّلمة وغيرها.
ومع التنزه عن المعاصي يكون التحلي بمحاسن الأخلاق من باب التخلية والتحلية.
من اداب طالب العلم و اداب المتعلم فى نفسه

3
- التحليِّ بمحاسن الأخلاق:
روى البخاري رحمه الله في كتاب بدء الوحي من صحيحه حديث السيدة عائشة رضي الله عنها في كيف بدأ الوحي؟، وفيه قالت:

[
حتى جاءه الحق وهو في غار حِراءٍ، فجاءه المَلَكُ فقال: اقرأ - إلى أن قالت - فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: (زملوني). فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: (لقد خشيت على نفسي).

فقالت خديجة كلا والله مايخزيك الله أبدا، إنك =لتصل الرحم=،= وتحمل الكلَّ=، وتكسبُ المعدوم=، =وتقري الضيف=، =وتعين على نوائب الحق=]

.
والكَلَّ هو من لا يستقل بأمر نفسه، كما في قوله تعالى (وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ) النحل: ٧٦.
يدل هذا الحديث على أن التمسك بمكارم الأخلاق مظنة التوفيق، وأن الله تعالى لايخزي من حَسُن خُلُقِه في نفسه ومع الناس بل يوفقه سبحانه ويسدِّدُه

الطالب قد يضل في اختيار المعلم أو الكتاب فيهلك أو يضيع بعض عمره سدى حتى يهتدي للمعلم الصالح والكتاب النافع، وقد يكون ضلالُهُ في طلب العلم عقوبة ً قدرية ً له من الله على ==فساد ِ قصده أو خبثِ سريرته==، وقد يسلك الطالب ==سبيل الضلالة ويعتقده الحق== عقوبة من الله تعالى

(
أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ) فاطر: ٨، وقال تعالى (وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ) إبراهيم: ٢٧.
المكارم الظاهرة:
يأتي على رأسها الحياء فإنه أساسها بل أساس الخيرات كلها، ثم بر الوالدين، وصلة الأرحام، والرفق بالناس، والعفو واحتمال الأذي، وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم، والجود والكرم، وغيرها.

المكارم الباطنة:
فأولها الإخلاص، ثم الصدق، والتوكل، والصبر، وقصر الأمل، والزهد والورع، والحلم والأناة، والتواضع، وإحسان الظن بالمسلمين، وغيرها.
قال النووي في آداب المتعلم [وينبغي له أن يتواضع للعلم والمعلِّم، فبتواضعه يناله، وقد أُمرنا بالتواضع مُطلقا فهنا أولى، وقد قالوا: العلم حرب للمتعالي كالسيل حرب للمكان العالي. وينقاد لمعلمه ويشاوره في أموره ويأتمر بأمره كما ينقاد المريض لطبيب حاذق ناصح، وهذا أَوْلى لتفاوت مرتبتهما] .
قال البخاري رحمه الله [وقال مجاهد: لايتعلم العلم مُسْتَحْي ٍ ولا مُستكبر].
الادب الرابع من اداب طالب العلم فى نفسه

4 -
طلب العلم في الصِّغر.

من أَجَلِّ نعمِ الله تعالى على عبد ٍ أن يوفِّقه لطلب العلم في الصِّغر

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه «اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»] .

قال [قال عمر رضي الله عنه: تفقَّهوا قبل أن تَسودوا]. قال البخاري: [وبعد أن تسودوا، وقد تعلمَّ أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم في كِبَر سنِّهم] .
الادب الخامس من اداب طالب العلم فى نفسه

5 - تقليل العلائق

و اهم العلائق تضيع الاوقات
أهمُ علامات العالم وطالب العلم: الحرصُ على الوقت، وكل مشتغل بالعلم غير حريص على وقته فاعلم أن علمه رقيق.

قال الشافعي رحمه الله [صحبت الصوفية فلم استفد منهم سوى حرفين، أحدهما قولهم: الوقت سيف فإن قطعته وإلا قطعك. وذكر الكلمة الأخرى: ونفسك إن لم تشغلها بالحق وإلا شغلتك بالباطل] .
 مايُعين العالم وطالب العلم على حفظ الوقت وتوفيره للاشتغال بالعلم. فمما يُعين على ذلك

1 -
الشروع في التعلم في الصِّغر:

وهذا يقع على عاتق أولياء الأمور، فمن لم يُوجَّه إلى هذا في صباه يجب عليه أن يتدارك الأمر فور بلوغه، أو بعد ذلك إذا شرح الله صدره لطلب العلم

2 -
تقليل العلائق الشاغلة: بترك كل ما يشغل الوقت مما يمكن أن يستغنى عنه العبد ولايحتاج إليه حاجة حقيقية

3 -
ترجيح الاشتغال بالعلم على الاشتغال بالنوافل القاصرة

4 -
قراءة سيَر العلماء الصالحين، للاقتداء بهم في هديهم وسيرتهم الحسنة وحرصهم على طلب العلم

=
و لا اجد اعظم من سيرة سيدنا رسول الله ففيها ما يحب كل انسان فيها المجاهد فيها الزوج فيها الصبر فيها الحب فيها السماحه ==

-5 -
تنظيم الوقت وحسن استغلاله، فلا يدع ساعة تمر عليه إلا في درس أو حفظ أو مراجعة

6 -
الاشتغال بالأهم من العلوم الشرعية

7 -
إحسان اختيار مصدر العلم:

سواء كان هذا المصدر أستاذاً معلما أو كتابا يُدرس، فإذا وُفق الطالب لمعرفة أهم مايشتغل به من العلوم، فإنه يجب عليه أن يُحسن المصدرالذي سيتعلم منه هذه العلوم المهمة، حتى لايضيع وقته سُدى
عودة مرة اخرى الى العلائق الشاغله

تقليل العلائق الشاغلة:

العلائق الشاغلة:
هى كل مايشغل العبد من أمور الدنيا، فتشغل وقته وقلبه وفكره، فكلما أمكن التَّخفف منها كان خيرا للعبد، إذ يعينه هذا على:

*
فراغ وقته: وهذا ضروري لطلب العلم.

*
وفراغ قلبه وفكره: وهذا ضروري لاستيعاب العلم وفهمه وحفظه.

*==
والاستهانة بأمر الدنيا== كلما قلّت علائقه بها==، فيعينه هذا على ==الجهر بالحق غير حريص على دنيا.==
أقوال بعض العلماء في أهمية تقليل العلائق لطالب العلم:

قال ابن عبدالبر: قال سُحنون [لا يصلح العلم لمن يأكل حتى يشبع ولا لمن يهتم بغَسْل ثوبه] .

روى ابن عبدالبر عن مالك - رحمهما الله - قال [إن هذا الأمر لن يُنال حتى يُذاق فيه طعم الفقر وذكَرَ مانزل بربيعة من الفقر في طلب العلم، حتى باع خشب سقف بيته في طلب العلم وحتى كان يأكل ما يُلقى على مزابل المدينة من الزبيب وعصارة التمر]

روى الخطيب " اى الخطيب البغدادى " بإسناده عن مُلَيح بن وكيع قال: سمعت رجلا يسأل أبا حنيفة بم يُستعان على الفقه حتى يُحفظ؟، قال: بجمع الهَمّ، قال: قلت وبم يُستعان على حذف العلائق؟، قال: تأخذ ُ الشيء عند الحاجة ولاتَزِدْ

قال أبو حامد الغزالي رحمه الله - في آداب طلب العلم – [أن يقلل علائقه من الاشتغال بالدنيا، ويبعد عن الأهل والوطن، فإن العلائق شاغلة وصارفة، (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ) الأحزاب: ٤، ومهما توزّعت الفكرة قصرت عن دَرْك الحقائق، ولذلك قيل «العلم لا يعطيك بعضَهُ حتى تعطيَه كُلَّك، فإذا أعطيته كٌلّك فأنت من إعطائه إياك بعضه على خطر»، والفكرة المتوزّعة على أمور متفرقة كجدول تفرّق ماؤه فنشَّفت الأرض بعضه واختطف الهواء بعضه فلا يبقى منه مايجتمع ويبلغ المزدرع] .

قال الشافعي رحمه الله تعالى: لايطلب أحدٌُ هذا العلم بالملك وعز النفس فيُفلح ولكن من طلبه بِذُل النفس وضيق العيش وخِدْمة العلماء أفلح، وقال أيضا: لايدرك العلم إلا بالصبر على الذّل، وقال أيضا: لايصلح طلب العلم إلا لمفلس فقيل ولا الغني المكفي فقال ولا الغني المكفي

تنبيه
حول ما عرف عن بعض السلف من ترك الزواج من اجل تقليل العلائق و عدم الاشتغال بما لا ينفع و ليس له حاجه
قال ابن القيم إن أحاديث مدح العزوبة كلها باطلة، وكذلك قال: إن أحاديث ذم الأولاد كلها كَذِب من أولها إلى آخرها.
مما سبق من كلام السلف رحمهم الله تدرك أن تقليل العلائق يدور على عدة أمور أهمها.

1 -
ترك فضول الكسب والقناعة باليسير من الرزق
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يُقمن صُلبَه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسِه) .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن البذاذة من الإيمان)

2 -
ترك النكاح لمن لا يحتاجه - و هذا فيه نظر لما سبق بيانه بالتعليق السابق -

3 -
ترك فضول الكلام والصحبة والزيارات ونحوها
قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم (من حسن إسلام المرء تركُه مالا يَعْنيه)
ترجيح الاشتغال بالعلم على النوافل القاصرة على فاعلها:

1 -
المقدمة الأولى: أن الطاعات متفاضلة، فالطاعات هى شُعب الإيمان وهى متفاضلة، ففيها فاضل ومفضول

2 -
المقدمة الثانية: إذا ثبت تفاضل الطاعات، فالعلم أفضل من نوافل العبادة، ودليل هذا:

أ- من كتاب الله تعالى قوله عزوجل (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) الزمر: ٩.

ب- ومن السنة: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم) . وقال صلى الله عليه وسلم (وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء) .

وعن الحسن البصري رحمه الله مُرسلا، قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجُلين كانا في بني إسرائيل: أحدهما كان عالما يُصلي المكتوبة، ثم يجلس فيعلِّم الناس الخير، والآخر يصوم النهار ويقوم الليل، أيهما أفضل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فضل هذا العالم الذي يُصلي المكتوبة ثم يجلس فيُعلم الناس الخير على العابد الذي يصوم النهار ويقوم الليل كفضلي على أدْناكم ) .

3 -
المقدمة الثالثة: أن الاشتغال بالفاضل أولى من الاشتغال بالمفضول، لأن الأول أعظم أجراً، وقد قال الله تعالى (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ) الحديد

بناءً على هذه المقدمات الثلاث: أن الطاعات متفاضلة، وأن العلم أفضل من نوافل العبادة، وأن الاشتغال بالفاضل مقدم على الاشتغال بالمفضول. يكون الاشتغال بالعلم أرجح من الاشتغال بنوافل العبادة.

تنبيه
المتأمل في سِيَر العلماء الصالحين من السلف يجدهم من أشد الناس عملاً بالنوافل واجتهاداً فيها، وكان الله تعالى يبارك لهم في أوقاتهم وفي علمهم بإخلاصهم رحمهم الله جميعا، وإنما أردنا بإيراد هذه المسألة تنبيه طالب العلم عليها إذا احتاج للعمل بها. مع التنبيه على أنه لايدخل في هذا ترك أداء السنن الراتبة، فإن ترك أدائها مما يجرح عدالة العبد
الادب السادس و الاخير من اداب طالب العلم فى نفسه

6 -
الصبر:

قال تعالى (وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) العصر: ١ - ٣

1 -
يحتاج إلي الصبر علي طول مدة التعلم واحتمال المشقة فيه.

روي ابن عبد البر عن نعيم بن حماد قال: [قيل لابن المبارك إلى متى تطلب العلم قال: حتى الممات إن شاء الله، وقيل له مرة أخري مثل ذلك فقال: لعل الكلمة التى تنفعنى لم أكتبها بعد ذلك.
وقال ابن عبد البر. سُئل سفيان بن عيينة مَنْ أحوج الناس إلى طلب العلم، قال: أعلمهم لأن الخطأ منه أقبح.
وقال ابن عبد البر: وكان الشافعي يقول.... وقالوا من لم يحتمل ذل التعلم ساعة بقى في ذل الجهل أبدا.
وقال ابن عبد البر:وقال قتادة: لوكان أحد يكتفي من العلم بشيء لاكتفى موسى عليه السلام ولكنه قال: هل أتبعك على أن تعلمني مما عُلِّمت رشداً

2 -
ويحتاج العالم والطالب إلي الصبر على قطع العلائق وتقليلها، ومن هذا القناعة بالقليل من الرزق للتفرغ لطلب العلم.

3 -
ويحتاج الطالب إلى الصبر على ما استغلق عليه فهمه حتى يفهمه.

ومن هذا ماورد في قصة موسى مع الخضر عليهما السلام في قوله تعالى (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً، قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً، قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً، قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) الكهف:66-٨٢.

4 -
ويحتاج الطالب إلى الصبر على مشقة السفر والرحلة لطلب العلم إذا احتاج لذلك.

قال البخاري: [ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أُنيس فى حديث واحد] .

5 -
ويحتاج الطالب إلي الصبر للتواضع فى أخذ العلم عمن هو دونه.

قال تعالى (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) الكهف: ٦٦، فطلب موسى عليه السلام العلم ممن هو دونه منزلة وهو الخضر، ونقل ابن حجر عن القرطبى قوله [والخضر وإن كان نبيا فليس برسول باتفاق، والرسول أفضل من نبي ليس برسول ؛ ولو تنزلنا على أنه رسول فرسالة موسى أعظم وأمته أكثر فهو أفضل] .

6 -
ويحتاج العالم إلى الصبر على تعليم الناس وألا يزهد فيهم لضعفهم وفقرهم، فطُلاَّب الحق عادة مايكونون هم الضعفاء الفقراء غير المترفين.

قال تعالى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) الكهف: ٢٨.

7 -
ويحتاج العالم والطالب إلى الصبر في تبليغ الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قال تعالى (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ) الأنعام: ٣٤ ، فَقَرن الله تعالى الصبر على التكذيب والإيذاء بالدعوة إلى الحق.

قال ابن القيم أيضاً [فهى والله أيامك الخالية التي تجمع فيها الزاد لمعادك إما إلى الجنة وإما إلى النار، فإن اتخذت إليها سبيلا إلى ربك بلغت السعادة العظمى والفوز الأكبر في هذه المدة اليسيرة التي لا نسبة لها إلى الأبد وإن آثرت الشهوات والراحات واللهو واللعب انقضت عنك بسرعة وأعقبتك الألم العظيم الدائم الذي مُقَاساته ومعاناته أشق وأصعب وأدوم من معاناة الصبر عن محارم الله والصبر على طاعته ومخالفته الهوى لأجله] .
توضيح
هذا القسم الذى من اجله وضع هذا الموضوع و هى الادب الذى لابد ان يتحلى به طالب العلم مع شيخه و من كان له فضل عليه من العلماء و اهل الفضل


القسم الثاني: آداب المتعلم مع شيخه

1 - إحسان اختيار الشيخ المعلِّم
2 -
التواضع للشيخ المعلِّم
3 -
توقير الطالب للشيخ المعلم واحترامه له
4 -
الصبر على الشيخ
5 -
آداب الجلوس بين يدي الشيخ في مجلس العلم
إحسان اختيار الشيخ المعلِّم:

قال الخطيب البغدادي رحمه الله [باب اختيار الفقهاء الذين يتعلم منهم: ينبغي للمتعلم أن يقصد من الفقهاء من اشتهر بالديانة، وعُرف بالستر والصيانة - إلى أن روى بإسناده - عن محمد بن سيرين قال «إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوه». فيكون قد رسم نفسه بآداب العلم من استعمال الصبر والحلم، والتواضع للطالبين، والرفق بالمتعلمين، ولين الجانب، ومداراة الصاحب، وقول الحق، والنصيحة للخلق، وغير ذلك من الأوصاف الحميدة والنعوت الجميلة. - إلى أن قال - قال مالك بن أنس: إن هذا العلم دين فانظروا عن من تأخذون دينكم، لقد أدركت سبعين ممن يقول قال فلان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الأساطين وأشار إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فما أخذت عنهم شيئا، وإن أحدهم لو أوتمن على مال لكان أمينا لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن، ويقدم علينا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب فيُزدَحم على بابه] .

انظر يا رعاك الله الى قول الخطيب
لقد أدركت سبعين ممن يقول قال فلان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الأساطين وأشار إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فما أخذت عنهم شيئا
التواضع للشيخ المعلِّم:

، قال البخاري [وقال مجاهد: لايتعلم العلم مُسْتَحْي ٍ ولا مستكبر] .
3 - توقير الطالب للشيخ المعلم واحترامه له:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال [مكثتُ سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتى خرج حاجاً فخرجت معه، فلما رجعت وكنا ببعض الطريق، عدل إلى الأراك لحاجة له، قال فوقفت له حتى فرغ، ثم سرت معه فقلت له: ياأمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه فقال: تلك حفصة وعائشة، قال فقلت: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك، قال فلا تفعل، ماظننت أن عندي من علم فاسألني، فإن كان لي علم خبَّرتك به] .

قال النووي رحمه الله كان بعض المتقدمين إذا ذهب إلى معلمه تصدَّق بشيء وقال اللهم استر عيب معلمي عني ولاتذهب بركة علمه مني

وقال الشافعي رحمه الله: كنت أصفح الورقة بين يدي مالك رحمه الله صفحا رفيقا هيبة له لئلا يسمع وقعه

قال الربيع: والله مااجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليّ هيبة له

وقال حمدان بن الأصفهاني: كنت عند شريك رحمه الله فأتاه بعض أولاد المهدي فاستند إلى الحائط وسأله عن حديث، فلم يلتفت إليه وأقبل علينا، ثم عاد لمثل ذلك فقال: أتستخف بأولاد الخلفاء، فقال شريك: لا ولكن العلم أجلّ عند الله تعالى من أن أضعه، فجثا على ركبتيه، قال شريك: هكذا يُطلب العلم.

ومن توقير العالم واحترامه:

أ - أن تخفض صوتك في الحديث معه [وكره بعض العلماء رفع الصوت في مجالس العلماء تشريفا لهم، إذ هم ورثة الأنبياء.

ب - ومن توقير الشيخ أن يجلس المتعلم بين يديه قعدة المتعلمين لا قعدة المعلِّمين فلا يمدّ رجله ولا يشيح بيده ولايتكيء ولايضحك ولايعبث.

ج - ومن توقير الشيخ ألا يسبقه المتعلم بإجابة سؤال سائل، ونحو ذلك.

تنبيه
على أن ينبغي التنبيه على عدم المبالغة في توقير المشايخ بما يفضي إلى الغلوّ أو إلى الوقوع في محظور كاعتقاد عصمته وعدم مراجعته إذا أخطأ أو قبول آرائه بغير مستند شرعي ونحو ذلك.
4 - الصبر على الشيخ.

قال النووي رحمه الله - في آداب المتعلم – [وينبغي أن يصبر على جفوة شيخه وسوء خلقه ولا يصده ذلك عن ملازمته واعتقاد كماله، ويتأول لأفعاله التي ظاهرها الفساد تأويلات صحيحة فما يعجز عن ذلك إلا قليل التوفيق، وإذا جفاه الشيخ ابتدأ هو بالاعتذار وأظهر أن الذنب له والعتب عليه فذلك أنفع له دينا ودنيا وأبقى لقلب شيخه، وقد قالوا من لم يصبر على ذل التعلم بقي عمره في عماية الجهل ومن صبر عليه آل أمره إلى عِزّ الآخرة والدنيا، ومنه الأثر المشهور عن ابن عباس رضي الله عنهما: ذللت طالبا فعززت مطلوباً] .
5 - آداب الجلوس بين يدي الشيخ في مجلس العلم.

قال النووي رحمه الله
[
وألا يدخل عليه بغير إذن وإذا دخل جماعة قدموا أفضلهم وأسنهم.

وأن يدخل كامل الهيبة فارغ القلب من الشواغل متطهراً متنظفا بسواك وقص شارب وظفر وإزالة كريه رائحة.

ويسلم على الحاضرين كلهم بصوت يسمعهم إسماعا محققا: ويخص الشيخ بزيادة إكرام وكذلك يسلم إذا انصرف، ففي الحديث الأمر بذلك ولا التفات إلى من أنكره، وقد أوضحت هذه المسألة في كتاب الأذكار.

ولا يتخطى رقاب الناس ويجلس حيث انتهى به المجلس إلا أن يصرح له الشيخ أو الحاضرون بالتقدم والتخطي أو يعلم من حالهم إيثار ذلك،

ولايقيم أحداً من مجلسه فإن آثره غيره بمجلسه لم يأخذه إلا أن يكون في ذلك مصلحة للحاضرين بأن يقرب من الشيخ ويذاكره مذاكرة ينتفع الحاضرون بها، ولايجلس وسط الحلقة إلا لضرورة، ولابين صاحبين إلا برضاهما، وإذا فسح له قعد وضَمَّ نفسه، ويحرص على القرب من الشيخ ليفهم كلامه فهما كاملا بلا مشقة وهذا بشرط ألا يرتفع في المجلس على أفضل منه.

ويتأدب مع رفقته وحاضري المجلس فإن تأدبه معهم تأدب مع الشيخ واحترام لمجلسه.

ويقعد قعدة المتعلمين لا قعدة المعلمين. ولا يرفع صوته رفعا بليغا من غير حاجة ولايضحك ولايكثر الكلام بلا حاجة، ولايعبث بيديه ولا غيرها ولايلتفت بلا حاجة بل يُقبل على الشيخ مصغيا إليه.

ولا يسبقه إلى شرح مسئلة أو جواب سؤال إلا أن يعلم من حال الشيخ إيثار ذلك ليستدل به على فضيلة المتعلم.

.
وإذا قال له الشيخ أفهمت فلا يقل نعم حتى يتضح له المقصود إيضاحا جليا لئلا يكذب ويفوته الفهم،

ولايستحي من قوله لم أفهم لأن استثباته يحصل له مصالح عاجلة وآجلة، فمن العاجلة حفظه المسئلة وسلامته من كذب ونفاق بإظهاره فهم مالم يكن فهمه، ومنها اعتقاد الشيخ اعتناءه ورغبته وكمال عقله وورعه وملكه لنفسه وعدم نفاقه، ومن الآجلة ثبوت الصواب في قلبه دائما واعتياده هذه الطريقة المرضية والأخلاق الرضية] .
حسن السمت
قال القاضي أبو يعلى رحمه الله [روى أبو الحسين بن المنادي بسنده إلى الحسين بن إسماعيل قال: سمعت أبي يقول «كنا نجتمع في مجلس الإمام أحمد زهاء على خمسة آلاف أو يزيدون، أقل من خمسمائة يكتبون، والباقي يتعلمون منه حُسْن الأدب وحُسْن السَّمْت»] .

القسم الثالث آداب المتعلم في دَرْسِه

1 -
التدرج في التعلم.
2 -
الحرص على طلب الحق.
3 -
الاعتناء بالحفظ.
4 -
بيان ما يعين على الحفظ.
5 -
أن ينصح لرفقته في طلب العلم.
6 -
عدم التعجل في التصدي للإفتاء والتصنيف.
أولا - التدرج في التعلم.

المقصود من التدرج في التعلم التيسير على المتعلم والرفق به حتى يستقر العلم في نفسه شيئاً بعد شئ

التدرج نوعان: تدرج في الكمّ وتدرج في الكيف.

1 -
التدرج في الكمّ
ومعناه أن يدرس الطالب في كل يوم المقدار الذي يحتمله عقله ولا تملّه نفسه، وليكن هذا المقدارقليلا في البداية لتعويد النفس ثم يستزيد شيئا بعد شيء كلما تدربت نفسه على احتمال المزيد. فإن خالف هذا التدرج وأراد أخذ العلم جملة واحدة فربما انقطع ولم يحتمله عقله.

2 -
التدرج فى الكيف. وهو قسمان:
أحدهما: التدرج فى ترتيب العلوم:

فلا ينتفع المرء بالتبحر فى دراسة أصول الفقه مثلاً قبل أن يدرس الفقه، فيجب عليه مراعاة الترتيب فى دراسة العلوم المختلفة. والصواب فى هذا أن يدرس مقدمة مختصرة فى الأصول ثم يدرس الفقه ثم يتوسع فى دراسة الأصول لتحصيل أدوات الاستنباط. وهكذا فى غيره من العلوم.

والثاني: التدرج فى دراسة كل علم على حدة: فيدرس فيدرس في كل علم مختصراً يشتمل على أهم مسائله المتفق عليها بين العلماء، ثم يرتقى بعد ذلك إلى دراسة تفاريع المسائل والمختلف فيه والترجيح.
ثانيا - الحرص على طلب الحق.
وهذا أمر يشبه إحسان اختيار مصدر العلم ولكنه غيره، فقد يُحسن العبد اختيار الشيخ أو الكتاب، ولكن وَلِهَوىً في نفسه يحمل مايتلقَّاه من العلم علي غير وجهه فلا يدرك الحق المراد منه، ومثال هذا ماوقع للخوارج فقد صاحبوا خير شيوخ أهل زمانه عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وقرأوا خير الكتب كتاب الله تعالى قراءة يحقر الصحابة رضى الله عنهم قراءتهم معها، لكنهم ضلوا ضلالا مبينا لأن قراءتهم لم تجاوز حناجرهم إلي الفهم والفقه، فَصَدَقَ فيهم قول الله تعالى (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً) الإسراء: ٨٢.

ولهذا ينبغى لطالب العلم أن يعتني بطلب الحق، ومما يعينه فى هذا:

1 -
ألا يعتقد قبل أن يَسْتَدلّ، فإن المبتدعة اعتقدوا آراء فاسدة ثم بحثوا عن بعض الأدلة لتأييد معتقدهم، فوافقتهم بعض الأدلة واستعصت عليهم أخري فردّوها أو تأوّلوها على غير وجهها، فحملوا العلم علي أهوائهم.

2 -
أن تبحث عن الدليل على صحة ماتتلقاه من العلم، فتقبل من الأقوال ماشهدت الأدلة بصحته وترد منها مالا يعضده الدليل. لقوله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدُّ) .

3 -
أن تفهم من الأدلة مافهمه السلف الصالح منها وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان رضى الله عنهم، فهذه طريقة أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية.

4 -
أن يُوطِّن الطالب نفسه على أن يثوب إلى الحق عندما يتبيّن له، ولا يصدَّنَّه عن ذلك كونه نشأ على خلاف الحق، كما لايصدَّنَّه عن ذلك كونه متبوعاً مطاعاً فى الباطل، فقد قال بعض الصالحين [لأن أكون ذَنَباً في الحق خيراً من أن أكون رأساً في الباطل].
ثالثا - الاعتناء بالحفظ
قال الماوردى رحمه الله

[
وربما استثقل المتعلم الدرس والحفظ، واتكل بعد فهم المعاني، على الرجوع إلى الكتب والمطالعة فيها عند الحاجة، فلا يكون إلا كمن أطلق ما صادَهُ ثِقة بالقدرة عليه، بعد الامتناع منه، فلا تُعْقِبه الثقة إلا خجلا، والتفريط إلا ندما. - إلى أن قال - والعرب تقول فى أمثالها حَرْفٌ في قلبك، خير من ألف في كتبك، وقالوا: لاخير في علم لايَعْبُرُ معك الوادي، ولايَعمُرُ بك النادي، وأنشدت عن الربيع، للشافعي رضى الله عنه:
علمي معي حيثما يَمَّمْـت يَتْبعنُـى قلبى وعـاءٌ له لابطـــن صنـدوق
إن كنتُ فى البيت كان العلم فيه معيأ وكنت في السوق كان العلم في السوق] .
رابعا - بيان مايُعين على حفظ العلم

اعلم أن الحفظ يعتمد على ركنين أساسيين:
أحدهما: تكرار الدرس مرات عديدة حتى يُحفظ. والثاني: مراجعة المحفوظ كل فترة مناسبة حتى لايُنسى.
ولكل واحد من هذين الركنين أمور مساعدة على النحو التالي:

1 -
الركن الأول للحفظ وهو التكرار حتى يَحْفظ، يُعين عليه

أ - التدرج فى مقدار مايريد حفظه،
ب - فهم مايريد حفظه حتى يسهل عليه حفظه
ج - تكرار مايريد حفظه حتى يحفظه
د - اختيار الوقت والمكان المناسبين للحفظ

ومما يرشد إلى الأوقات المناسبة قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الدين يسر، ولن يشادَّ الدين أحدٌ إلا غلبه، فسدِّدوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرَّوحة وشيء من الدُّلجة)

قال النووي رحمه الله:[ (الغدوة) سَيْر أول النهار، و(الرَوْحة): آخر النهار، و(الدُّلْجة) آخر الليل، وهذا استعارة وتمثيل، ومعناه: استعينوا على طاعة الله بالأعمال في وقت نشاطكم، وفراغ قلوبكم بحيث تستلذون العبادة ولا تسأمون وتبلغون مقصودَكم، كما أن المسافر الحاذق يسير في هذه الأوقات ويستريح هو ودابته في غيرها، فَيَصلُ المقصودَ بغير تعب، والله أعلم. (رياض الصالحين - باب الاقتصاد في الطاعة).

2 -
الركن الثاني للحفظ: مراجعة المحفوظ كل فترة مناسبة حتى لا يُنسى

قال الزهري رحمه الله [إنما يُذْهِبُ العلمَ النسيانُ وقلة المذاكرة] .
ومما يعين على الاحتفاظ بالمحفوظ من العلم أمور أهمها:

أ - الكتابة: ونعني بها هنا أمرين:

أحدهما: أن يكتب الطالب بيده ما يحفظ في لوح أو ورق
والثاني: أن يكون لدى الطالب كتاباً يحتوي على محفوظاته
روى الخطيب بإسناده عن الخليل بن أحمد قال: ما في الدفتر رأس مالك وما في قلبك التفقه

ب - تكرار المحفوظ، أي مراجعة محفوظاته كل فترة مناسبة حتى لا ينساها، ولها صور:

منها أن يكرر محفوظاته على نفسه.
ومنها أن يكون له صاحب في طلب العلم يكرر كل منهما على الآخر ويصحح كل منهما للآخر خطأه، وهذا مما أُوصِى به لفائدته.
ومنها أن يتخذ التعليم وسيلة لتثبيت حفظه، فكلما علَّم غيره ماحفظه ثبت في قلبه

ج - العمل بالعلم، مما يثبته.
روى ابن عبد البر عن وكيع قال [كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به، وكنا نستعين على طلبه بالصوم] .

د - اجتناب المعاصي:

من أسباب تثبيت الحفظ وقد سبق الكلام في هذا في أول آداب الطالب في نفسه، فإن العلم نور من الله، ونور الله لا يؤتاه عاص وإنما يؤتي الله نوره المتقين
كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) الحديد: ٢٨.
وقال تعالى (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ) فاطر: ٢.
وقال ابن عبد البر [وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إني لأحسب الرجل ينسى العلم بالخطيئة يعملها، وإن العالم من يخشى الله، وتلا (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) فاطر: ٢٨] .
فاستعن على الحفظ بطاعة الله تعالى ولا تضيِّع علمك بالمعاصي.
خامسا - نصح المتعلم لرفقته في طلب العلم.

الصحبة الصالحة في طلب العلم من أعظم ما يعين الطالب في طلبه للعلم، وذلك بأن يكون له صاحب صالح أو أكثر يذاكر معه دروسه ويراجع عليه محفوظاته، فإذا أنعم الله تعالى على الطالب بهذا فينبغي أن يقوم مع أصحابه بآداب الصحبة في طلب العلم،

ومنها ما ذكره النووي قال

[
وينبغي أن يرشد رفقته وغيرهم من الطلبة إلى مواطن الاشتغال والفائدة
ويذكر لهم ما استفاده على جهة النصيحة والمذاكرة،
وبإرشادهم يُبارَك له في علمه ويستنير قلبه وتتأكد المسائل معه مع جزيل ثواب الله عز وجل،
ومن بخل بذلك كان بضده فلا يثبت معه وإن ثبت لم يثمر، ولا يحسد أحدا ً ولا يحتقره ولا يعجب بفهمه وقد قدمنا هذا في آداب المعلم] .

ومن آداب الصحبة في طلب العلم أن يخبر الطالب أصحابه بما غابوا عنه من دروس الشيخ مما حضره هو
سادسا - عدم التعجل في التصدي للإفتاء والتصنيف قبل الأهلية

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أُفْتِىَ بغير علم كان إثمه على من أفتاه) .
وقال الإمام مالك رحمه الله [من سُئل عن مسألة فينبغي له قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة ثم يجيب فيها] .
ومصداق قول مالك من كتاب الله تعالى (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق: ١٨،
وقال تعالى (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) المطففين: ٤ - ٦.

فاعلم يا أخي المسلم أن التصدي للإفتاء والتأليف أمر عظيم، ومن أصاب فيهما فأجره عظيم، ومن أقدم عليهما بغير علمٍ واكتمال أهلية وزره عظيم، بل عليه وزره ووزر من عمل بقوله الخطأ إلى يوم القيامة

هذا؛ وأسأل الله سبحانه أن ينفع ، وأن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم،.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

توضيح
-------
هذا الاختصار انما هو للباب الرابع اداب العالم و المتعلم و فقط هو اختصار لاهم المواضع فى اداب المتعلم و نصائح لطالب العلم