الجمعة، فبراير 03، 2012

مختصر : الصبح و القنديل ( رسالة حول زعم إسلامية دستور باكستان) د. أيمن الظواهرى





بسم الله الرحمن الرحيم
هذا اختصار لرساله صغيرة الحجم كثيرة النفع لاحد رموز الحركة الاسلامية المعاصرة د أيمن الظواهرى حول زعم اسلامية دستور باكستان

وحيث أن لكاتب هذه الرسالة الصغيرة علاقة قديمة بأهل باكستان جمعه معهم فيها الحب و الود و التواصل و الأخوة اللإيمانية ،فجاءت هذه الرساله من تاصح أمين مشفق على إخوانة لهم

و سأجتهد قدر الامكان على الاختصار على الفقرات المهمة فى هذه الرساله الطيبه ، وقد أتعرض فى بعض الاحيان الى اشياء متعلقه بالصلة التى جمعت بين د أيمن الظواهرى و أهل باكستان و بعض عمالات الحكومة الباكستانيه للغرب و مواقف مشرفة لأهل باكستان و لعلماء باكستان الأحرار

اسأل الله تعالى لى و لكم القبول
السبب الداعى لكتابة هذه الرساله

يقول د أيمن :

فمنذ بداية تعرفي على باكستان، وأنا أسمع من عديد من الإخوة الباكستانيين والدعاة والعاملين في الجماعات الإسلامية مقولة مفاداها؛ أن النظام في باكستان يختلف عن غيره من الدول الإسلامية، وأن الدستور الباكستاني انبنى على أسس إسلامية صحيحة، ويتيح - في نفس الوقت- للشعب اختيار نوابه بحرية، ومحاسبة حكامه بدقة، وأن المشكلة ليست في الدستور ولا النظام، ولكن المشكلة هي في طبقة الحكام الفاسدة، التي تستولي على الحكم بالقوة أو بغيرها من الوسائل، ثم لا تلتزم بأحكام الدستور.

وكانت هذه المقولة تثير في نفسي تساؤلات عديدة وهي؛ كيف يمكن أن يكون النظام في باكستان قائماً على أسس إسلامية، ثم ينتج كل هذا الفساد والإفساد والتبعية للغرب والأمريكان؟ وكيف يمكن أن يكون النظام قائماً على أسس إسلامية، ثم يكون نظام التعليم بهذا الخلط؟ الذي يؤدي لتكوين أجيال ينتمون بالعاطفة للإسلام، وبالفعل والممارسة والتقليد والانبهار لثقافة الغرب، وكيف يمكن أن يكون النظام في باكستان قائماً على أسس إسلامية، ثم يكون الجيش -وهو الملك غير المتوج في باكستان- بهذه التبعية للأمريكان؟ وكيف يمكن أن يكون النظام في باكستان قائماً على أسس إسلامية، وتتحول باكستان لأكبر حليف لأمريكا في حربها الصليبية على الإسلام؟ أو ما يزعمونه الحرب على الإرهاب. إلى غير ذلك من الأسئلة الحائرة "

-------------

م .ج :

يلاحظ فى مقدمة د أيمن أن مسالة الدستور الاسلامى تقريبا واحده فى جميع بلاد المسلمين و أنه يروج فى كل بلد منها بحسب حالها أن الدستور متوافق مع أحكام الشريعه الاسلامية و أن به من وسائل تداول السلطة و المجاسبة ما لا يخالف الشريعه الاسلاميه ،و لكن السؤال الطبيعى المتكرر إذا كان ما تقولوا صحيح فلماذا لا نرى اثر هذا على المجتمع و على الاعلام و على التعليلم و على العلاقات بالدول الاخرى
و قديما كل :
ليس كل لسان قال نار احترق
فالعبرة بحقائق الامور و ليس بالشعارت الجوفاء و الكلمات الرنانه

فكما زعم سابقا مشركى قريش أنهم على ملة ابراهيم و أن النبى لم يأتى الا ليفرق كلمتهم و تكون له السلطة و استدلوا على ذلك ببعض الاشياء من رعاية الحرم و سدانته و سقاية الحجيج فرد الله عليهم بكلام صريح

قال تعالى :أجعلتم سقاية الحاج وعمار‌ة المسجد الحر‌ام كمن آمن باللـه واليوم الآخر‌ وجاهد في سبيل اللـه لا يستوون عند اللـه واللـه لا يهدي القوم الظالمين ﴿١٩﴾

و هكذا الحال فى مشركى كل زمان فانهم يستدلون على الموحدين بعمومات و بعض مظاهر الشريعه ، لكى يلبثوا على الناس ظلمهم و خيانتهم لله و لرسوله فتارة بدستور يحتوى على مادة فى الدساتير الوضعيه لذر الرماد فى العين ثم تقييد بعديد من المواد الاخرى التى تكبلها ،وتارة بادعاء الصلاة و انتشار المساجد و اللحى فى المسئولين ، و الحديث عن الاخلاق و المبادىء العامة و الحريات و العدل و المساواة دين الثورة الفرنسيه و كل هذا تلبيسا على الأمة كما فعل صناديد قريش من قبل

فالله أكبر
الله أكبر

الذى حذرنا من هذه الفتن و جعل لنا هذا النبراس المضىء الى يوم القيامة ليبدد ظلمات الشرك التى عمت الأرض و يحرق بنوره خفافيش الظلام المتدسرين كذبا و عدوانا بلباس ليس لهم
مصباح القران
ملامح الاختلاف بين النظام السياسى الغربى و الإسلامى

يقول د أيمن الظواهرى :
فالنظام السياسي الغربي يقوم على أساس الدولة الوطنية القومية، التي تسعى لمصلحة جماعتها الوطنية، وتهدف لتحقيق أكبر قدر من المنافع والمتع والمصالح لها، والتي لا تعرف قيمة ولا خلقاً ولا مبدأ ولا عقيدة سوى ما تختاره أغلبية المصوتين، وبالتالي فلا مرجعية لها في التحليل والتحريم والإباحة والتجريم والمنح والمنع سوى تلك الأغلبية، بل لا تعرف معياراً في التفريق بين الناس إلا الانتماء الوطني.

وذلك نظام سياسي يختلف جذرياً عن النظام السياسي الإسلامي، الذي يقوم على :

1-عقيدة التوحيد

2-ويقوم على أساس التحرر من عبودية الإنسان للإنسان، بل ومن العبودية لكل ما سوى الله سبحانه وتعالى

3-ويقوم على أساس الالتزام بالعبودية لله وحده، التي تتضمن الحب التام والذل التام له سبحانه

4-ويقوم على أساس استخلاف المولى سبحانه وتعالى لآدم وذريته في الأرض

5-وأن الإنسان مخلوق لعبادة ربه ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾

6-وأن غاية الإنسان في هذه الحياة هي نيل رضا ربه، والفوز بسعادة الآخرة

7- وأن المولى سبحانه وتعالى يراقب حركاته وسكناته وخلجات ضميره ونواياه
ولذا فإن غاب عن علم الأمن والقضاء البشريين فلن يغيب عن علم الله، ولن يفلت من قدرته، وإن أفلت من عقوبة القضاء والحكومة البشريين، فلن يفلت من عقاب الله ومجازاته له في الدنيا والآخرة ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ التوبة 105.

8-وأن الأمة المسلمة هي أمة البلاغ والشهادة التي تبلغ رسالة ربها،

9-وتجاهد لإعلاء كلمته، وتقاتل حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه...﴾ الأنفال 39

وتقيم دولتها على أساس التحاكم للشريعة المنزلة

10-وتعبد ربها بإقامة العدل وبسط الشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أن الأمة المسلمة حين تقيم دولتها المسلمة تقيمها لابتغاء رضا مولاها أساساً، لإنها متعبدة بذلك

وبالتالي فإن النظام السياسي الإسلامي ممثلاً في دولة الخلافة يقدم نموذجاً للبشرية يعلو فوق الانتماءات الوطنية والحدود الجغرافية، ويساوي بين المؤمنين جميعاً في إخوة واحدة ، ويفرق بين الناس على أساس الإيمان والتقوى والعمل الصالح وليس الانتماء الوطني ولا الولاء للدولة الصنم، ويتحاكم إلى الشريعة المنزلة وليس إلى أغلبية المصوتين
﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ﴾ المائدة 49.
------------------

م .ج :

فهذه بعض الملامح فى الاسس التى يقوم عليها التصور السياسى الاسلامى للفرد و الدولة و المجتمع و غايته و حركته و منطلقاته و التى استمدت كلها من أوامر الله ، الذى له الخلق و الأمر ، بينما سنشاهد الاسس التى انطلق منها الفكر السياسى الغربى لينشأ النظام الحديث الذى يهيمن به على العالم و يصول بطشا و قمعا من أجل أن يثبت صحته و مدى تاثير السوابق التاريخيه فى تكوين هذا النظام المادى المستبد

 
نشأة التصور السياسى الغربى الحديث

يقول د أيمن الظواهرى :

1-التصور السياسي الغربي نشأ من موروث تاريخي شهد صراعاً بين الملوك الجبابرة المتسلطين وأتباعهم من الأمراء والإقطاعيين وبين الشعوب المظلومة المسحوقة

2-وشهد صراعاً آخر بين الكنيسة و بين الأمم الغربية التي يطمح علماؤها وروادها إلى اكتشاف آفاق السموات والأرض وأسرارها وعلومها، التي تتعارض مع روايات الكنيسة عن الخلق والكون في نصوصها المقدسة، التي لا تمتلك سنداً تاريخياً.

ولذا فإن الفكر الغربي الحديث، يحمل إرثاً من النفور من استبداد الكنيسة، وبالتالي نفوراً من الدين وكل ما يمت له بصلة، وإرثاً من العداء للإسلام وأمته.
علاقة هذه المقدمة بالدستور الباكستانى

يقول د أيمن :

وبالتالي فإن حاملي التصور السياسي الغربي -بكل ما يثقلهم من قيم غربية وموروث تاريخي غربي أفرز نظم الغرب وقواعد اجتماعه- لا يصلحون البتة لأن يضعوا نظاماً قانونياً أو دستورياً لأمة مسلمة، ولن ينتجوا إلا مسخاً مركباً، وخلطاً ممزوجاً، لا يثمر إلا فساداً، ولا ينتج إلا انحرافاً، وهذا ما حدث في باكستان بعد ستين عاماً من إنشائها، فتحولت باكستان (الأرض الطاهرة) إلى قاعدة العمليات للأمريكان -في جنوب آسيا والشرق الأوسط- في حربهم الصليبية على الإسلام

"و حقيق الدستور الباكستانى أنة " كتب بطريقة هي أقرب للخداع والمرواغة،== وخاصة فيما يتعلق بالوعود بتطبيق الشريعة==.

وتعجبت؛ ==كيف انطلت هذه الخدع على كبار العلماء والدعاة؟ ==الذين يحترمون هذا الدستور ويعترفون به، ولكن تعجبي الأكبر كان ولا يزال من أولئك الأفاضل، الذين لا زالوا حتى اليوم يُسَوقون هذه الأوهام بعد== ستين سنة من الوعود الكاذبة بتطبيق الشريعة==

--------
تعليق م .ج :

فأنظر هنا الى الدستور الباكستانى و كيف تمت صياغته و قصة كتابته و صفة من كتبوه و أنظر الى كل الدساتير التى تكتب اليوم و التى تحكم بلاد المسلمين .
كيف صيغت بعضها أقرب الى بعض فى الألفظ كتبها دهاقنة السياسة الذين اشربوا حب الغرب و أصبح من المستحيلات لديهم أن يعتقدوا أنهم من الممكن أن يقدموا للفكر البشرى أو للفكر السياسى افضل مما يقدم الغرب اليوم ، و حتى لا تصطدم تلك الحقيقة مع الشعوب المسلمة التى لديها اثار التوحيد فقد تم الباس هذه الحقيقة هذا الثوب من اجل مدارة الحقيقة ، كحالهم كحال الزانية التى ترتدى ثوب العفاف و الطهاره لكى تتحاشى نظرات العيون و تمر لتفسد فى الناس بدون ان يشعروا و لن يغنى عنها ثوبها من حقيقتها شيئا مهما تجملت و تزينت .

و أنظر الى الوعود بتطبيق الشريعه فهنا فى باكستان التى قامت على اساس انفصال دينى عن شبة القارة الهنديه
حتى انه كان يقال فى بدايه الانفصال للاقليم المسلم
ما معنى باكستان
فيرد قائلا : لا اله الا الله

فأين وصلت اليوم الا فى الانتقال الى انها اصبحت الحظيرة الخلفية لقوات الناتو تصول و تجول فى ديار المسلمين فى افغانستان ، و يخرج علينا جنرال كيانى كل فتره ليشجب الهجمات الامريكية تارة و ليعلن اواصل الصلة مع الادارة الامريكية تارة اخرى

و كذا انظر الى كل دعاوى تطبيق الشريعه من خلال هذه الدساتير ماذا قدمت الى اليوم
فعلى عبدالله صالح قبل رحيله كان يصرخ بانه سيسعى الى تطبيق الشريعه
و الدستور المصرى ظل فى معركة من اجل ( ا ) (ل)
و الدستور الاردنى نفس الصيغه

فيجب على ابناء الصحوة الاسلامية اليوم أن ينتهوا الى حقيقة ما يحاك بهم و ما يدبر لهم بلبل و أن لا تتكرر أخطاء الامس مرة أخرى و ان العبرة فى الامور بالحقائق الثابته الواقعه و ليس وعود براقه و امال و اعدة

 
حول اختيار اسم الرساله

وقد اخترت لهذه الرسالة اسم (الصبح والقنديل)، وقد استوحيت هذا الاسم من أبيات للبوصيري -رحمه الله- في مدح حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، يقول فيها:

اللَّه أَكـبَرُ إنَّ دِيـنَ مُحَـمَّدٍ
وكتـَابَهُ أَقـْوَى وَأَقـْوَمُ قِـيلا

طَلَعَـت بهِ شمسُ الهِدَايَةِ لِلوَرَى
وَأبى لَـها وصْفُ الكمالِ أُفُولا

والحَـقُّ أَبْلَـجُ في شريعَـتِهِ الّتي
جَمَـعَتْ فروعاً لِلْوَرَى وأُصُولا

لا تَذْكُروا الكتبَ السَّوالِفَ عندَهُ
طَلَـعَ النَّـهارُ فأَطْفِئُوا القِنْدِيلا


لكي يحمل الاسم رسالة لأبناء ثقافة الإنجليز؛ أن شمس الهداية المحمدية قد أشرقت على البشرية منذ أربعة عشر قرناً، فأطفئوا قناديلكم الواهنة، التي لا يستضئ بها إلا أساتذتكم في الغرب، الذين يعيشون في ظلام الجاهلية المعاصرة.

ويحمل رسالة أخرى للعاملين في الجماعات الإسلامية والدعاة؛ أنكم تسيرون في رابعة النهار، وتستضيئون بشمس الشريعة، فما حاجتكم إلى أهل العشى من المتلمسين بقناديل الغرب الواهنة؟ أليس من العبث ومخالفة العقل وتضييع الجهد والعمر أن تنقادوا لهم ولا تقودوهم؟ يا قوم أنتم في رابعة النهار، فما حاجتكم لحامل قنديل؟

--------------

تعليق م .ج :

و هنا لطيفة أحب أن أذكرها حول د أيمن الظواهرى أنه من أكثر من رأيت من المعاصرين تأثرا بالشعر فاغلب كلمات الشيخ تحتوى على أبيات من الشعر و خاصة شعر الحماسة و قد يرجع هذا الى أن جد الشيخ الشيخ و هو د عبدالرحمن عزام هو الذى ترجم شعر شاعر الهند د محمد إقبال الى اللغة العربيه
أو لتاثر الشيخ بما احاط به منذ الصغر فى الرعاية الاسريه التى حرصت على تلقى العلوم الشرعيه و تاثرة بمكتبة جده كما ذكر من قبل فى صغرة
و ما هو فيه من من بيئة خصبة للقتال و الجهاد التى تبرز معادن الرجال الحقيقة فى زمن كثرت فيه النساء باللحى و قل فيه الرجال

و يلاحظ دائما فى د أيمن تعظيمة الى مقام النبى صل الله عليه و سلم ، و مت عرف الشيخ و استمع له يعرف مدى تعظيمه لمقام النبى و أنه اذا ذكر اسم النبى تستشعر انه حاضر امامه اجلال و تقديرا و توقيرا للنبى
و من هذا مسارعته فى اصدار موقفه فى مسالة الانتصار الى سيد الخلق بعد الاساءات التى حاول بها اراذل الخلق ان يتعرضوا فيها لسيدنا رسول الله
فى كلمة "نصرة الرسول صلى الله عليه و سلم "

و لاخوانى السلفيين تعقيبا على مساله بردة البوصيرى و الابيات التى منها استقى د ايمن اسم رسالته الطيبه فان البردة و صاحبها يظل امرهم متنازع فيه
فلائمة الدعوة النجديه على الرغم من انكارهم على بعض الابيات فى البردة التى حملت من الغلو فى مقام النبى الا انهم توقفوا فى امر البوصيرى كما ذكر العلامة ابو بطين على ما أذكر فى الدرر السنية و العبرة هنا بالابيات الرائقة التى نقلت دون النظر الى صاحبها

 
الباب الأول: لمن الحكم؟

1- لا شك أن التسليم بحق التشريع للمولى سبحانه وتعالى من أصول عقيدة الإسلام، وقد تضافرت على ذلك آيات الكتاب العزيز. يقول الحق سبحانه وتعالى:
﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ يوسف 40.

2- وبناء على هذا يمكننا أن نطرح السؤال التالي؛ لمن حق التشريع والحكم في باكستان؟ أهو لله سبحانه وتعالى وحده؟ أم لأغلبية النواب في البرلمان أو ما يزعمونه مجلس الشورى؟
أ- لا شك أن الإجابة القاطعة على ذلك السؤال الخطير تكمن في الوثائق الأساسية لدولة باكستان، فإذا نظرنا في الدستور، وهو أبو القوانين كما يقولون، فسنجده قد حسم الإجابة وأكدها بدون شك؛ أن حق تعديل الدستور أو إصدار القوانين إنما هو لأغلبية النواب ليس إلا

فتنص المادة 238 على حق مجلس الشورى- البرلمان- في تعديل الدستور ، أما المادة 239 فتشترط لذلك أغلبية الثلثين. بل ونص البندان الخامس والسادس منها على أمرين في غاية الأهمية؛ الأول أن أي تعديل للدستور، لا يمكن الاعتراض عليه أمام أية محكمة، والثاني أنه لقطع أي شك فإنه ليس هناك حد لسلطة مجلس الشورى (البرلمان) على تعديل أي حكم من أحكام الدستور .
شبهة و الرد عليها

(1) فقد يعترض معترض فيقول: وما الحرج في أن يتشاور نواب الشعب المسلم؟ فيجتهدوا في صياغة مواد الدستور بما يحقق المصلحة لهم كشعب مسلم.

فالجواب:
(أ) بأن نص المادتين المذكورتين قد خلا من أي قيد ورد في الاعتراض، ولم يتحدث عن الشعب المسلم ولا عن مصلحته، ولم يشترط للتغيير أي قيد سوى أغلبية الثلثين
إذن فليست هناك مرجعية عليا ثابتة في الدستور إلا مرجعية الأغلبية. وهذا يتناقض مع الشرع الإسلامي، الذي يجعل الشريعة الإسلامية هي المرجعية العليا بلا منازع

توضيح
-------
أنه لا حرج في تشاور نواب الشعب المسلم في تعديل نصوص قوانينهم أو دستورهم لتحقيق مصلحتهم طالما كانوا ملتزمين بدين الله وشريعته، وهو الأمر الذي لم يذكره الدستور الباكستاني، بل أكد على خلافه وهو حق أغلبية الثلثين دون أي شرط أو قيد

(2) وقد يعترض معترض آخر فيقول: إن الدستور خول المحكمة الاتحادية للشريعة حق رفض أي قانون يتعارض مع القرآن والسنة

فالجواب:
أكتفي بالقول هنا إن المحكمة المذكورة لا يحق لها النظر في مواد الدستور لأنه خارج صلاحيتها، كما نص الدستور على ذلك صراحة.

 
الباب الثاني: تناقض الدستور الباكستاني مع الشريعة الإسلامية

1- من المستقر في أحكام الشريعة بين جميع علماء الإسلام، أن استحلال الحرام المجمع على حرمته، أو تحريم الحلال المجمع على حله، أو تبديل الشرع المجمع عليه كفر. فلو قال رجل مثلاً: إن الخمر أو الزنى أو السرقة أو الحكم بغير ما أنزل الله بين الناس حلال فقد كفر، حتى وإن كان لا يشرب الخمر ولا يزني ولا يسرق ولا يحكم بغير ما أنزل الله

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ومعلوم -بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين- أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب

قال ابن كثير رحمه الله:
"وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره، فقدمتم ذلك، فهذا هو الشرك،

--------
م .ج

اختصرت فى نقل فقط قولين من اقوال اهل العلم على صحة هذه المساله دون التطرق التفصيلى للادلة و ذلك للاختصار

و قد قال بهذا بن حزم الاندلسى - بن القيم-الشوكانى - عبد اللطيف ال الشيخ-حمد بن عتيق-عبدالله بن حميد-محمد بن ابراهيم ال الشيخ-محمد الامين الشنقيطى-محمد بن جعفر الكتانى - احمد شاكر- محمود شاكر - محمد حامد الفقى -سيد قطب - حمود التويجرى- محمد نعيم ياسين - بن كثير

و يراجع تفسير بن كثير و الطبرى و اضواء البيان على قول الله تعالى
: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. الشورى 21.

﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ﴾. التوبة
﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ المائدة- 50
﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ الانعام

 
أمثلة من مخالفات الدستور الباكستاني للشريعة الإسلامية

1- التناقض الأول: الحق المطلق لأغلبية نواب مجلس الشورى- البرلمان في التشريع دون حسيب أو رقيب.
تنص المادتان 238 و239 من الدستور على حق أغلبية نواب مجلس الشورى على تعديل الدستور كما يشاءون دون أن يتعرضوا لأية مساءلة قضائية من أي نوع

2- التناقض الثاني: العصمة من المحاكمة والمساءلة.
نص الدستور الباكستاني على منح العديد من الشخصيات والهيئات حصانة من تعرض تصرفاتها لأية مساءلة قضائية سواء أمام محكمة الشريعة أو غيرها من المحاكم

""و لتوضيح هذه التناقض السابق لابد من تمهيد ثم امثله من الدستور الباكستانى "" م. ج
أ- المبحث الأول: هل هناك حصانة لأي شخص أو هيئة من الخضوع لأحكام الشريعة؟

من المستقر في أحكام الشريعة أنه لا يحق لأي شخص أو هيئة أن يعلن أو يدعي أو يزعم، ناهيك عن أن يقنن أو يشرع، أن لتصرفاته حصانة ضد المساءلة الشرعية

(1) المطلب الأول: الأدلة من السنة النبوية المطهرة - على صاحبها أفضل الصلاة والسلام- وسيرة الخلفاء الراشدين -رضوان الله عليهم- على فساد العصمة التي نص عليها الدستور الباكستاني.

(أ) أولاً: الأدلة من السنة النبويةعلى صاحبها أفضل الصلاة والسلام.

[1] أخرج الإمام البخاري -رحمه الله- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمْ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ، الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ؟ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟". ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا" .

ففي هذا الحديث الشريف يبين النبي صلى الله عليه وسلم:

[أ] ألا عصمة لشريف مهما بلغت درجة شرفه من الخضوع لحكم الشريعة المطهرة، وضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- مثالاً للمبالغة بابنته سيدة نساء العالمين رضي الله عنها. فهل مشرف وأمثاله أعظم قدراً من فاطمة الزهراء رضي الله عنها؟
[ب] أن هذه المحاباة والتفرقة سبب في هلاك الأمم السابقة، وهذا ما نراه في واقع باكستان وغيرها.

[2] أخرج الإمام مسلم -رحمه الله- عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُودًا، فَدَعَاهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟". قَالُوا: نَعَمْ. فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ: "أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ -الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى- أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟". قَالَ: لَا وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ. نَجِدُهُ الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا، فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ. قُلْنَا تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ". فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ إِلَى قَوْلِهِ ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ﴾... الحديث" .
 (ب) ثانياً: الأدلة من سيرة الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم.

[1] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:: لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر، وقام عمر فتكلم قبل أبي بكر، ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله.

"ثم قال: أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني. الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم قوي عندي حتى أزيح علته إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا يشيع قوم قط الفاحشة إلا عمهم الله بالبلاء.
أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله".

ففي هذه الخطبة العظيمة للصديق الأكبر -رضي الله عنه- في أول ولايته يؤكد على أسس قيام دولة الإسلام، التي أنشأها الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، وقد تحمل مسؤولية خلافته من بعده. فمن هذه الأسس:

[أ] أنه يطلب من الأمة أن تعينه على الإحسان، وتتصدى له فتقومه عند الإساءة. فهنا الصديق الأكبر -رضي الله عنه- يطلب من الأمة أن تقومه إذا أساء، ولم يقل لهم: إذا أسأت فلا سبيل لكم علي، وليس لكم أن تحاسبوني أو تحاكموني أو تعاقبوني. كما جاء في دستور باكستان.

[ب] ثم إنه يؤكد أن الضعيف من الأمة قوي حتى يأخذ له حقه، وأن القوى ضعيف حتى يأخذ الحق منه، ولم يقسم الناس لفئتين كما في دستور باكستان، فئة هي عامة الشعب يحاسبون ويحاكمون ويعاقبون، وفئة من أصحاب المناصب العليا محصنون من المحاكمة والعقاب.

[ج] ثم إنه -رضي الله عنه- ربط طاعة الأمة له بطاعته لله، فإذا عصى الله فلا طاعة له على الأمة. أي أن المرجعية العليا في النظام السياسي الإسلامي هي مرجعية الشريعة، وليست مرجعية الأغلبية، ومن موافقة ومتابعة هذه الشرعية الإسلامية العليا تكتسب الأحكام والقوانين صلاحيتها، ويكتسب الحاكم حق أمر الناس ونهيهم بالمعروف، ويكتسب الحق عليهم في أن يطيعوه. وهنا يتناقض الدستور الباكستاني مع الشريعة تناقضاً خطيراً، إذ إنه يجعل المرجعية العليا في التشريع لأغلبية نواب البرلمان بلا شرط ولا قيد، كما أسلفت.
 (2) المطلب الثاني: مقتطفات من أقوال العلماء -رحمهم الله- تؤكد على فساد العصمة التي نص عليها الدستور الباكستاني.

قال الإمام القرطبي رحمه الله:
"وأجمع العلماء على أن على السلطان أن يقتص من نفسه إن تعدى على أحد من رعيته. إذ هو واحد منهم. وإنما له مزية النظر لهم كالوصي والوكيل. وذلك لا يمنع القصاص. وليس بينهم وبين العامة فرق في أحكام الله عز وجل، لقوله جل ذكره: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾.
تفسير القرطبي- تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ البقرة آية 179. ج: 2 ص: 256.
 (3) المطلب الثالث: أمثلة من التاريخ الإسلامي على خضوع السلاطين للقضاء الشرعي. رغم تباعد عهدهم عن الخلافة الراشدة، ورغم انتشار الفساد في زمانهم.

قال ابن كثير -رحمه الله- في ترجمة السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان، وكان مشهوراً بالعدل، وكان أعظم ملوك الدنيا في زمنه:

"واستعداه رجلان من الفلاحين على الامير خمارتكين؛ أنه أخذ منهما مالا جزيلاً وكسر ثنيتهما، وقالا: سمعنا بعدلك في العالم، فإن أقدتنا منه كما أمرك الله وإلا استعدينا عليك الله يوم القيامة، وأخذا بركابه، فنزل عن فرسه، وقال لهما: خذا بكمي واسحباني إلى دار نظام الملك ، فهابا ذلك، فعزم عليهما أن يفعلا، ما أمرهما به، فلما بلغ النظام مجئ السلطان إليه خرج مسرعاً، فقال له الملك: إني إنما قلدتك الامر لتنصف المظلوم ممن ظلمه، فكتب من فوره فعزل خمارتكين وحل أقطاعه، وأن يرد إليهما أموالهما، وأن يقلعا ثنيتيه إن قامت عليه البينة، وأمر لهما الملك من عنده بمائة دينار" .
ب- المبحث الثاني: أمثلة من الدستور الباكستاني يمنح فيها العصمة من المحاكمة والمساءلة لبعض الشخصيات.

(1) تنص المادة 48 من الدستور الباكستاني على أن الرئيس في ممارسته لوظائفه عليه أن يعمل طبقاً لنصيحة مجلس الوزراء أو رئيس الوزراء.

ثم تفصل الفقرة (2) من نفس المادة، فتقول؛ إن للرئيس أن يعمل حسب اختياره، فيما مكنه الدستور من ذلك، وأن صحة أي شيء يقوم به الرئيس حسب اختياره، لا يمكن أن تكون محل مساءلة بأي وجه.

ثم تفصل الفقرة (4) من نفس المادة فتقول؛ إن التساؤل حول وجود نصيحة قدمت من مجلس الوزراء أو رئيس الوزراء أو أحد الوزراء، وإذا وجدت فما هي؟ لا يمكن أن يكون محل فحص بواسطة أية محكمة أو هيئة قضائية أو سلطة أخرى .

أي أن الرئيس الباكستاني -مثلاً- لو سلط جيشه على القبائل لتقصفها، وأمر استخباراته بالتعاون مع الأمريكان لتقديم المعلومات، التي يحتاجونها لغزو أفغانستان، وللقبض على المجاهدين العرب وغيرهم، وأمر استخباراته بتسليم المعتقلين للأمريكان، وهي كلها من صلاحياته، ثم قدم له أحد الوزراء نصيحة، بأن هذا الفعل مناف للإسلام والأخلاق والمروءة، وسيتسبب في كوارث لباكستان، ورغم ذلك أصر الرئيس على السير في تنفيذ هذه الجرائم، فلا يمكن أن يساءل، ولا أن تقام عليه الحجة بأن الجريمة قد بينت له. ومن الجدير بالذكر أن المادة عامة مطلقة لم تفرق بين المسائل التي يجوز للرئيس فيها الاجتهاد من باب المصلحة، وبين المسائل التي يحرم القيام بها سواء كانت فسقاً أو كفراً. بل وفرت للرئيس العصمة في أي شيء يفعله وافق الشريعة أو خالفها.
-----------------

م.ج

فانظر الى خبث من وضع هذه المادة و احذر من قرينتها فى باقى الدساتير فالنص العام يشعرك ان الرئيس مراقب و محاسب على كل فعل و انه يجب عليه استشارة معاونيه
ثم فى المواد الفرعيه فرغت من معناها الظاهر .

 (2) وفرت المادة 248 الحماية التامة للرئيس ولحكام الأقاليم وللوزراء الاتحاديين والإقليميين من أية مساءلة أمام القضاء -بشكل مطلق وبدون أي تفصيل- بشأن أي عمل ارتكبوه فيما يخص ممارسة مهامهم .

وقد أقر الأستاذ محمد رفيق بت في تعليقه على هذه المادة بأنها استثناء من قاعدة (لا أحد فوق القانون)

فإن قال قائل إن الحماية الممنوحة في هذه المادة هي فقط في ممارسة السلطات والصلاحيات المخولة للمذكورين فيها، وأن هؤلاء الأشخاص ليس من صلاحياتهم مخالفة القانون والدستور.

فالجواب عليه:
(أ) أولاً إن الدستور والقانون في باكستان مملوءان بمخالفة الشريعة، وهذا أمر مما لا يماري فيه عاقل.
ومما يذكر في هذا الشأن أن مولانا مفتي محمود -رحمه الله- قد أعلن في عام 1969 أن رجال الحكومة لم ينفذوا النظام الشرعي بعد مرور أكثر من اثنتين وعشرين سنة على إنشاء باكستان، وأن المحاكم لا زالت تحكم بالقوانين الوضعية، التي قننها المستعمرون النصارى .
فإذا كان هذا في عام 1969 فما بالنا اليوم في عام 2008، وبعد انخراط الحكومة الباكستانية في الحرب الصليبية على الإسلام. إذن فإطاعة الدستور والقوانين قد تتضمن مخالفات شرعية جسيمة.

(ب) أن هذه الشبهة لو كانت صحيحة لكان البديل أن يكتب في الدستور مثلاً: أن المحاكم لا تعاقب المذكورين على أعمالهم التي تقع وفقاً للدستور والقانون أثناء ممارسة صلاحياتهم، لا أن يحظر على المحاكم مجرد استدعائهم.

(ج) أن ما ذكره الدستور عن أعمال المذكورين أثناء ممارسة صلاحياتهم، أمر مختلف تماماً عن موافقة أعمالهم للشريعة، أو أن تلك الأعمال هي من قبيل الاجتهاد الذي تجيزه الشريعة. بل لم تذكر المادة 248 أية قيد يتعلق بالشريعة.

(د) أن الشريعة لا تعرف أصلاً حصانة لأي أحد تحميه من المثول أمام القضاء، كما بينت سالفاً
 (3) توضح المادة 245 من الدستور الباكستاني أن على القوات المسلحة بناء على تعليمات الحكومة الاتحادية أن تقوم بالدفاع عن باكستان ضد أي عدوان خارجي أو تهديد بالحرب وأن تقوم بمساعدة السلطة المدنية إذا دعيت لذلك، ثم تضيف الفقرة (2) من تلك المادة، أن صحة أية تعليمات تصدر من الحكومة الاتحادية بهذا الشأن لا يمكن أن تكون محل مساءلة أمام أية محكمة .

أي أن من حق مشرف أن يوظف باكستان كلها في خدمة الحملة الصليبية الأمريكية، لأنه يخشى عليها من تدمير أمريكا لها كما زعم في مذكراته ، فيأمر قواته المسلحة بدعم الصليبيين لتدمير أفغانستان؛ الجارة المسلمة الموادعة، التي قدمت مئات الآلاف من الشهداء، حتى حُفظت حدود باكتسان، وقتل المسلمين فيها، وخلع الإمارة الإسلامية منها، ومطاردة قادتها ومسؤوليها، والقبض على أنصارها من العرب وغيرهم من المهاجرين وقتلهم، واعتقالهم وتعذيبهم ثم تسليمهم لأمريكا، حيث لا يعلم أحد مصيرهم، ثم يضيف لذلك أمر تلك القوات المسلحة بقتل المسلمين في باكستان، وتدمير بيوتهم وقراهم، وقصف المسجد الأحمر في إسلام آباد، وقتل طلابه وطالباته، وإخفاء قبورهم. ثم بعد كل ذلك لا يملك أحد بناء على الدستور الإسلامي لما تسمى بجمهورية باكستان الإسلامية أن يحاسبه، ولا تجرؤ محكمة الشريعة ولا حتى محكمة الشيطان أن تطلبه، ولو لمجرد المثول أمامها، ثم يقولون إن لدينا دستوراً إسلامياً! ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾.

----------
م .ج

و خيانات عدو الله مشرف و من بعده اشفق كيانى اكثر من ان تعد و تحصى فخيانتهم لله و لرسوله و للمؤمنين و اضحة للعيان . فالطائرات بدون طيار تجول فى سماء باكستان و فى واد سوات و لا رقيب و لا حسيب و تقصف العزل و لا رقيب عليها
و كان من عمالة هذا النظام المجرم انه عقب انحياز مجاهدى الامارة ان تم تسليم المجاهدين و بعض اهالى افغانستان الابرياء الذين لا شأن لهم بالحرب الى القوات الامريكية المجرمة مقابل (200 :400 دولار ) للشخص الواحد بزعم انه من المجاهدين
و ان عامة المجاهدين الذين قتلوا او اسروا انما كان على يد هذا النظام الحقير

و فى اثناء التلخيص قد يتم عرض بعد من خيانات هذا النظام
المادة 270أ من الدستور تعفي إعلان الخامس من يوليو لعام 1977 وكل أوامر الرئيس ومراسيمه وتعليمات وأوامر الأحكام العرفية بما فيها أمر الاستفتاء لعام 1985 وكذلك التعديلان الثاني والثالث للدستور، وكل الأوامر والقوانين الصادرة ما بين الخامس من يوليو لعام 1977 وحتى تاريخ نفاذ هذه المادة وما يترتب عليها من آثار من أية مساءلة أمام أية محكمة

يعلق د أيمن الظواهرى على هذه المادة قائلا :
----

كان يجب على المحكمة أن تعتبر المادة 270أ أصلاً باطلة كغيرها من المواد، التي تضفي العصمة على قرارات الرئيس والحكومة. فليس هناك في الشريعة أصلاً أية عصمة لأي أحد حاكماً أو محكوماً شريفاً أو وضيعاً من المساءلة أمام القضاء.

(ب) إن المحكمة اعتبرت قرار الأهداف مرادفاً لحكم الشريعة، وبينهما فروق أساسية يجب إيضاحها:

[1] فقرار الأهداف نص دستوري، أقر بغالبية الأصوات في المجلس التأسيسي الأول وما تبعه من دساتير، والشريعة وحي إلهي، لا يفتقر في إقراره إلى موافقة أو مخالفة أحد من البشر.

[2] وقرار الأهداف وسائر نصوص الدستور اكتسبت شرعيتها بموافقة الشعب عليها في استفتاء وما أشبه. والشريعة اكتسبت شرعيتها من كونها منزلة من الرب سبحانه، ولذا فهي لا تقبل الاستفتاء أصلاً، بل هي حاكمة على الناس، وليست محكومة بآرائهم، والاستفتاء على الشريعة خروج عليها أصلاً.

يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ سورة النساء 65. ويقول عز من قائل: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ هود 112، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ الأحزاب 36.

[3] كما أن أي نص في الدستور من حق البرلمان أن يعدل فيه بلا قيد على حريته في ذلك، كما جاء في المادتين 238 و239 من الدستور، كما أوضحت في الباب الأول، والشريعة غير قابلة للتعديل، وتنزيلها في منزلة النصوص التي يمكن تعديلها خروج صريح عليها.
من اسباب الخلط بين النظام الاسلامى و النظام الديمقراطى

يعلق د أيمن على السبب الذى ادى بالقاضى فى اصدار حكم المحكمه المتعلق بالمادة 270 أ

وأنا أظن ظناً غالباً أن القاضي الذي أصدر هذا الحكم يمتلئ قلبه حباً للشريعة وتعظيماً لها وغيرة عليها،
ولكن هذا الخلط يقع فيه غالباً من يخلطون بين النظام الديمقراطي والنظام الإسلامي،
بينما كل منهما ينشأ وينبع من عقيدة مختلفة عن عقيدة الآخر.

فالنظام الديمقراطي ينشأ من مبدأ حرية الإنسان في أن يفعل ما يشاء، ويحقق لنفسه ما يرجو من الملذات والمنافع، وله سابقة تاريخية طويلة مريرة في الصراع بين الشعوب المظلومة والملكيات الطاغية والكهنوت المنحرف. وبالتالي فإن الحاكمية والمرجعية العليا في الديمقراطية هي للأغلبية.

أما النظام الإسلامي فينشأ من العبودية لله وحده، والتحرر من العبودية لكل أشكال السلطان سوى سلطانه، والحب التام والذل التام للمولى سبحانه، والتعالي عن كل قيود الخضوع لسلطات المخلوقين، وخلفية النظام الإسلامي التاريخية هي رسالة التوحيد الخاتمة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقيم العدل والإخاء بين المؤمنين والشورى ومحاسبة الحكام، التي تجلت في زمن الخلافة الراشدة، ثم الفتوحات التي خاضها المسلمون لإخراج البشر من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

ولذلك فإن السيادة في النظام الإسلامي هي للشرع المنزل وحده، وليست للدستور ولا لقرار الأهداف.
التناقض الثالث: حق رئيس الدولة في العفو عن أية جريمة.

تعطي المادة 45 من الدستور الباكستاني رئيس الجمهورية الحق في منح العفو وإرجاء تنفيذ الإعدام، وكذلك إلغاء وتعليق وتعديل أي حكم صادر عن أية محكمة أو هيئة قضائية أو سلطة .
إذن فهذا دين رئيس الجمهورية، وليس دين الله.
وقد ثار حول هذه المادة جدل قضائي كبير في باكستان، بخصوص تظلم أولياء القتلى من قرار لرئيس الجمهورية في ديسمبر لعام 1988 عدل فيه كل أحكام الإعدام للسجن مدى الحياة ، بناء على الصلاحيات التي خولتها له هذه المادة، وكان التظلم على أساس أن هذه الصلاحيات تتعارض مع الشريعة الإسلامية، التي منحت أولياء القتلى وحدهم حق القصاص أو العفو أو قبول الدية، وامتد الجدل إلى مكانة ومنزلة نصوص الدستور، التي تدعو لجعل الأحكام في باكستان تتفق مع الشريعة الإسلامية، وهل هذه النصوص هي مجرد توجيهات وإرشادات، أم لها قوة الإلزام؟ وهل هي فوق الدستور؟ أم أنها ليست جزءاً من الدستور؟ وامتد الجدل حتى عام 1992، حين أصدرت المحكمة العليا في باكستان قرارها في ذلك الجدل المتعلق بعفو رئيس الجمهورية عن أحكام الإعدام، منتهية إلى أن المحكمة لا تملك السلطة في أن تعلن عدم صلاحية أي قانون بناء على أنه خرج عن حدود ما شرعه الله سبحانه، وأن المادة 2أ من الدستور، لا تمثل إلا مجرد توجيهات، لإرشاد نواب الشعب عند تشريعهم للقوانين، ولا تخاطب المحاكم.
- التناقض الرابع: عدم اشتراط الإسلام في القضاة إلا في محكمة الشريعة.

أ- أجمع فقهاء الإسلام أن الإسلام شرط في القضاء.
ب- بينما لا يشترط الدستور الباكستاني الإسلام ولا السلامة من القذف لصلاحية تولي القضاء إلا فقط في قضاة المحكمة الاتحادية
للشريعة ودائرة النظر في الطعون في قرارات محكمة الشريعة في المحكمة العليا، حيث اشترط فيهم الإسلام، ولم يشترط فيهم العدالة.

التناقض الخامس: عدم اشتراط الذكورة في رئيس الدولة.

ذكرت المادة 41 من الدستور الشروط الواجب توافرها في رئيس الجمهورية، ولم تذكر منها شرط الذكورة ، مع أنه شرط مجمع عليه بلا خلاف بين علماء الإسلام.

والجميع يذكر -بشديد الأسف- الموقف الذي وقفه زعيم إحدى أكبر الجماعات الإسلامية في باكستان، حينما انتخبت بينظير بوتو لرئاسة الوزارة، فقال إن الشريعة لا تبيح تولي المرأة لإمامة الصلاة ولا رئاسة الدولة، ولكن إذا اختار الشعب امرأة لرئاسة الوزارة فعلينا أن نحترم هذا الاختيار. وهذا موقف يلخص تميع كثير من الحركات الإسلامية في باكستان إزاء السياسات والقوانين والدستور والمشاكل في بلدها، وأنها لا تلتزم بعقائدها ومبادئها، وبالتالي عجزت عن أن تحظى باحترام الكثرة الكاثرة في باكستان، وأنها أضعف من تبوء منصب القيادة أو أن ترقى لمستوى التصدي للحرب الصليبية التي تشن على باكستان.
التناقض السادس: الحماية من تطبيق العقوبة بأثر رجعي.

تؤكد المادة 12 من الدستور على أنه لا يجوز تطبيق العقوبة بأثر رجعي، بمعنى أنه لا يجوز عقوبة شخص على فعل أو ترك لم يكن معاقباً عليه في وقت الفعل. كما لا يجوز عقوبته على جريمة بعقوبة أكبر أو من نوع مختلف عما كان مقرراً وقت ارتكاب الجريمة .

أ- أي أن شخصاً في باكستان لو ارتكب جناية شرعية قبل صدور قانون بتحريمها، ثم سيق هذا الشخص للمحكمة، وقامت عليه البينة الشرعية، فلا يمكن توقيع العقوبة الشرعية عليه، وهذا الكلام ساقط شرعاً لأنه يعني:

(1) أن الأحكام لا تكتسب شرعيتها إلا بإصدارها في صورة قوانين شرعها البرلمان أو رئيس الدولة بالحيل المختلفة، التي يختلقونها ليضفوا بها الشرعية على أوامرهم، وأن الشريعة الإسلامية بالتالي لا شرعية لها لأنها لم تصدر عن هؤلاء المشرعين بقانون.

(2) أن الحجة على الناس لا تقوم إلا بصدور الأمر في صورة قانون، بينما الحجة قائمة على الناس بالشريعة الإسلامية منذ أربعة عشر قرناً، لأن أحكامها الأساسية من تحريم الخمر والزنا والسرقة وما أشبه، قد انتشرت بين المسلمين، وصارت من المعلومات من الدين بالضرورة، ولا يسع أحداً أن يزعم الجهل بها.

(3) التسوية بين العقوبات الشرعية وغير الشرعية. وأن العقوبات غير الشرعية يمكن اعتبارها بديلاً عن العقوبات الشرعية، لأن القانون الساري لم يكن ينص عليها، وهذا أمر مرفوض شرعاً لأن العقوبات غير الشرعية تعد ساقطة في ميزان الشريعة.

(4) هذا يدل على أن المشرع في باكستان ليس هو الحق تبارك وتعالى، الذي يؤكد في كتابه الكريم أنه وحده صاحب الحق في التشريع. وإنما المشرع في باكستان هم أعضاء البرلمان الذين يقررون ما يجب تنفيذه في هذا الوقت وما لا يجب.
وسوف نرى عند عرض قانون المحكمة الاتحادية للشريعة كيف استُغِل مبدأ عدم سريان العقوبة بأثر رجعي للتملص من أحكام الشريعة ولتعطيلها والسماح باستمرار الربا.
التناقض السابع: الحماية ضد تثنية العقوبة.

تؤكد المادة 13 من الدستور على عدم معاقبة الشخص مرتين على نفس الجريمة .
وهذا الأمر يصح في ميزان الشريعة لو كان الحكم الأول معتبراً شرعاً، أما لو كان الحكم الأول حكماً غير شرعي، فلا اعتبار له حينئذ في ميزان الشريعة.
فلو افترضنا أن شخصاً ما قد سرق أو زنى أو قتل ثم حكم عليه بحكم مخفف بناء على السلطات المطلقة التي يمنحها الدستور لرئيس الدولة من حين لآخر، فليس من حق أي محكمة أن تعاقبه بالعقوبة الشرعية بعد ذلك.

والعجيب أن المحاكم الباكستانية -التي تلتزم بعدم تثنية العقوبة، والتي لا تزال تحكم بقوانين غير شرعية- لا تعترف بشرعية أية قوانين ما لم تكن مدونة في القانون الباكستاني.

فلو أن متهماً في جريمة ما دفع أمام المحكمة بأنه تمت عقوبته بعقوبة شرعية، وبالتالي فلا يجوز تثنية العقوبة عليه، فلن تعترف المحكمة بهذه العقوبة ما لم تصدر عليه من محكمة باكستانية رسمية طبقاً للقانون الباكستاني.

بل إن عدداً من الدول مثل الولايات المتحدة، لا تعترف بأية عقوبات طبقت على من ارتكب في قانونهم جرماً في باكستان، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك، أن الفلسطينيين الذين خطفوا طائرة البان أمريكان في الثمانينيات، لم تعترف أمريكا بعقوبة السجن الطويلة التي أمضوها في باكستان، وتسلمتهم من حكومة باكستان الذليلة لتعاقبهم مرة أخرى في أمريكا.
التناقض الثامن: موقف الدستور من الربا.

تؤكد المادة 38 من الدستور فيما تنص عليه من وسائل الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية للشعب على التخلص بأسرع ما يمكن من الربا .

أ- وهذا النص ليس أكثر من وعد في المستقبل لم يتحقق حتى الآن، وهذا مثال من يقول سأصلي في أقرب وقت، أو سأزكي في أقرب وقت، أوسأسلم في أقرب وقت، فهل يعد هذا مصلياً أو مزكياً أو مسلماً؟

ب- كما أن هذا النص في الدستور ليس له أية قوة تشريعية، ولا أثر له على عمل المحاكم، وهو لا يعتبر أكثر من وعد

ج- وهو دليل على أن الربا متعامل به قانوناً في باكستان، وسيمر بنا عند الحديث عن محكمة الشريعة الاتحادية أمثلة على ذلك بإذن الله.

د- وقد يعترض معترض بأن التعامل بالربا واقع عملي دولي، ولا يمكن التخلص منه مرة واحدة، ولا بد من التدرج في ذلك تحت حكم الضرورة.

والجواب على هذه الشبهة:

(1) أن المادة في نصها خالية من أي ذكر لما أورده الاعتراض من ضرورة وتدرج وغيرها.

(2) ثم لو كانت هناك ضرورة في التعامل الخارجي، فإنها غير متصورة في التعامل الداخلي في داخل باكستان.

(3) كما أن تجارب البنوك الإسلامية قد أوجدت العديد من البدائل التي يمكن تبنيها على الأقل داخل باكستان لإلغاء الربا.

(4) وحتى لو فرضنا وجود الضرورة، فإن أهل العلم الشرعي هم الذين يقدرونها، ويقدرون المجالات التي تنحصر فيها، وطرق التخلص منها، وهو ما لا ذكر له بالمرة في المادة المذكورة.

(5) وقد كانت هذه العبارة موجودة في دستور 1956 . وبعد أكثر من خمسين سنة فإن الوعد لم يتم الوفاء به، ولا زال الربا منتشراً في باكستان. وسنرى عند الحديث عن التوجهات الإسلامية في الدستور الباكستاني -إن شاء الله- أن الوعود بتطبيق الشريعة وتصفية القوانين مما يخالف الشريعة تم إدراجها في دستور عام 1956، ولا زالت حتى اليوم لم يتم الوفاء بها.
الباب الثالث
عجز الوسائل التي نص عليها الدستور للسعي لتحكيم الشريعة

***
نص الدستور الباكستاني على عدة توجيهات تدعو لتحكيم الشريعة ولتنقية القوانين من كل ما يخالف الشريعة، ولكن هذه النصوص ظلت عاجزة نظرياً وعملياً عن تحكيم الشريعة

الكلام في هذا الباب إلى فصول:
1- الفصل الأول: ديباجة الدستور والمادتان 2 و2أ.
2- الفصل الثاني: المادة 31.
3- الفصل الثالث: المادة 38.
4- الفصل الرابع: محكمة الشريعة الاتحادية الفصل 3أ (المواد 203
A حتى 203J).
5- الفصل الخامس: القسم التاسع من الدستور: الأحكام الإسلامية (المواد من 227 إلى 231).
الفصل الأول: ديباجة الدستور والمادتان 2 و2أ

1- جاء في ديباجة دستور باكستان الحالي الفقرات التالية:
"حيث أن السيادة على كل الكون ترجع لله تعالى وحده، كما أن السلطة التي يتوجب أن يمارسها شعب باكستان طبقاً للحدود التي قدرها سبحانه تعد أمانة مقدسة.
......................
وحيث أن قيم الديمقراطية والحرية والمساواة والتسامح والعدل الاجتماعي كما بينها الإسلام سوف تراعى تماماً.
وحيث أن المسلمين سيمكَنون من أن ينظموا حياتهم في المجالين الشخصي والجمعي بما يطابق تعاليم ومتطلبات الإسلام كما جاءت في القرآن الكريم والسنة:
..........................
لهذا فإننا الآن نحن شعب باكستان:
واعون لمسؤوليتنا أمام الله سبحانه والخلق
.............................
ومخلصون للإعلان الذي صرح به مؤسس باكستان -القائد الأعظم محمد علي جناح- أن باكستان ستكون دولة ديمقراطية قائمة على أسس عدالة الإسلام الاجتماعية.
ومصممون على المحافظة على الديمقراطية التي تحققت عبر النضال المتواصل للشعب ضد القهر والطغيان" .

- وأود أن أعلق بعض تعليقات على تلك المقتطفات من ديباجة الدستور وعلى المادة 2أ نظراً للترابط بينهما:

أ- وردت كلمة ديمقراطية في الديباجة عدة مرات:

(1) والديمقراطية كلمة لها معنى معروف، وصفات لا تنفك عنها، إذا نزعت عنها لم تعد تسمى ديمقراطية، فمنها أن السيادة وحق التشريع للأغلبية، ومنها نسبية كل القيم، فالحرام هو ما حرمته الأغلبية، والحلال هو ما أحلته.
ولا يتصور في ذهن أحد أن هناك ديمقراطية بدون أن تكون السيادة وحق التشريع للأغلبية.

بينما السيادة وحق التشريع في الشريعة الإسلامية هما لله وحده سبحانه، والحرام هو ما حرمه سبحانه، والحلال هو ما أحله.

ولذلك فإن الخلط بين الإسلام والديمقراطية هو خلط بين عقيدتين ذات أصلين مختلفين وأثرين مفترقين.

فإن قال قائل ولكن الإسلام يدعو للشورى ومحاسبة الحكام ومراقبة تصرفاتهم، وهذه أمور مشتركة بين الإسلام والديمقراطية

فالجواب: وكذلك يمكن أن يقال أن المسيحية والإسلام بينهما أمور مشتركة، فكلاهما يدعوان للإيمان بالله وبأنبياء الله قبل عيسى عليه السلام، وأن عيسى قد جاء بكتاب من عند الله سبحانه، فهل يجوز بناء على ذلك أن يقال الإسلام المسيحي أو المسيحية الإسلامية؟

فإن قال قائل إنما قصدت أن آخذ من الديمقراطية بعض الجوانب لا كل ما فيها، فالجواب عليه من وجهين:

أولاً: أن يقال له: بين لنا أولاً؛ ماذا تقصد بهذا الخلط، وبهذه المصطلحات الغامضة؟

وثانياً: وما الداعي لهذه المماحكة، وقد أغنانا الله بشريعته عن التسول من الشرائع والعقائد؟ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا﴾ النساء 174.

ولذلك فإن الخلط في الدستور الباكستاني قد بدأ من سطوره الأولى، ونشأ عنه كل ما نراه من جدال واختلاط وفساد.


م.ج

و اذا رجعت الى كل الدساتير التى و ضعت فى الدولة المصريه ستجد فيه من هذه العبارات الشبيهه الكثير و كذلك لكل الذين يسعون الى تمرير هذه الديمقراطيات و حتى لا تتصادم مع الشعوب المسلمه فانه يتم اضفاء عبارات من نوع المبادىء و قيم العدل و المساوة ..الخ ، و كل هذا ليس الا فقط لتمرير هذا الباطل .
و لو كانوا صادقين لقالوا صراحه اننا نسعى الاسلام و لا نريد الا الاسلام فقط فما كان فى كتاب الله قبلناه و ما حرمه كتاب الله حرمناه
ثم ياتى الحال بعد ذلك على من استأمنوا على هذا الدين من الدعاة و العلماء أن يبينوا للناس الحق و الباطل و لا يكتموا الحق و لا يخفوه و و يؤدوا الامانه التى قيضها الله بهم
أيهما يعلو حكم الأغلبيه أم حكم الشريعه

مسألة الاستفتاء على الشريعه



إيراد قرار الأهداف كديباجة للدستور، أو اعتباره جزءً من الدستور بناء على المادة 2أ، لا يجعل الشريعة الإسلامية هي المرجعية العليا الحاكمة والمصدر الوحيد للتشريع لثلاثة فروق رئيسية:

الأول: أن قرار الأهداف وديباجة الدستور والمادة 2أ وغيرها من المواد قد اكتسبت شرعيتها من موافقة الأغلبية، والشريعة تحكم على الأغلبية بالهدى أو الضلال، ولا يمكن أن تحكم عليها الأغلبية بالرفض أو القبول، فالشريعة هي الحاكمية العليا وافقت على ذلك الأغلبية أو رفضت.

الثاني: أن الدستور يكتسب أغلبيته من الاستفتاء الشعبي أو من وكالة النواب عن الشعب، أي أن الشعب وهو صاحب السيادة في الديمقراطية هو الذي منح الدستور الشرعية، ولذلك ختمت ديباجة الدستور بالعبارة التالية:
" لهذا فإننا الآن نحن شعب باكستان:
....................
نقوم هنا - عبر ممثلينا في المجلس الوطني- بإقرار وسن ومنح أنفسنا هذا الدستور" .

بينما لا تكتسب الشريعة مرجعيتها وحاكميتها من الشعب، الذي قد يوافق عليها في استفتاء أو غيره، بل هي تكتسب شرعيتها من كونها منزلة من المولى سبحانه. بل الاستفتاء على الشريعة خروج على الشريعة.. يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ المائدة 48

فلا يجوز الاستفتاء والاقتراع على تحكيم الشريعة ومرجعيتها وحاكميتها، ولكن يجوز التشاور بين المسلمين في شؤونهم وفق ما بينته الشريعة، فلا يخلط بين هذا و ذاك.

الثالث: أن الدستور يمكن للبرلمان أن يعدل فيه كما يشاء كما جاء في المادتين 238 و239 من الدستور، وكما ذكرت في الباب الأول. فتستطيع أغلبية الثلثين في البرلمان الباكستاني أن تلغي ديباجة الدستور والمادة الثانية وغيرها من المواد بلا قيد ولا شرط ولا رقيب ولا حسيب، بينما الشريعة لا يملك أحد أن يغير منها شيئاً. يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ﴾ المائدة 49.
الشريعة تفترق عن نصوص الدستور في ثلاثة جوانب رئيسية:

[أ] نصوص الدستور تسمتد شرعيتها من إدراجها في الدستور بموافقة الأغلبية، والشريعة لا تحتاج للأغلبية بل هي حاكمة عليها.

[ب] الدستور نفسه استمد شرعيته من أنه المعبر عن سيادة الشعب، التي تمت باستفتاء أو موافقة أغلبية ممثلي الشعب، بينما الشريعة تستمد شرعيتها من أنها منزلة من المولى سبحانه، ولا تقبل الاستفتاء ولا الاقتراع عليها أصلاً.

[ج] نصوص الدستور قابلة للتبديل والتغيير بموافقة البرلمان بلا قيد ولا شرط، والشريعة لا يمكن أن تقبل ذلك.
مسأله لو دولة كل قوانينها مطابقه للشريعه الا قانون واحد
-----------------------------------------------------------------

فلو افترضنا أن دولة كل قوانينها ونظمها مطابقة وتابعة للشريعة، ولكنها قننت قانوناً واحداً وشرعته يناقض الشريعة لصارت بذلك دولة غير إسلامية، بل ويجب قتالها -بإجماع العلماء- حتى ترجع عن ذلك.

وفي الآيات التي استشهدت بها من سورة المائدة حذر المولى سبحانه وتعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- من أن يفتنه المشركون عن بعض ما أنزل الله إليه، فقال سبحانه: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ﴾ المائدة 49

مسأله فى الطوائف الممتنعه (هام)

مر بنا من قبل قول الحافظ ابن كثير -رحمه الله- عن الياسق، الذي وضعه جنكز خان وضم شرائع من الإسلام وغيره.

وقد أجمع العلماء على قتال أية طائفة ممتنعة تمتنع عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لما سئل عمن يدعى للصلاة فيمتنع:

"وَكَذَلِكَ كُلُّ طَائِفَةٍ مُمْتَنِعَةٍ عَنْ شَرِيعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ، أَوْ الْبَاطِنَةِ الْمَعْلُومَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ قِتَالُهَا، فَلَوْ قَالُوا: نَشْهَدُ وَلَا نُصَلِّي قُوتِلُوا حَتَّى يُصَلُّوا، وَلَوْ قَالُوا: نُصَلِّي وَلَا نُزَكِّي قُوتِلُوا حَتَّى يُزَكُّوا، وَلَوْ قَالُوا: نُزَكِّي وَلَا نَصُومُ وَلَا نَحُجُّ، قُوتِلُوا حَتَّى يَصُومُوا رَمَضَانَ، وَيَحُجُّوا الْبَيْتَ. وَلَوْ قَالُوا: نَفْعَلُ هَذَا لَكِنْ لَا نَدَعُ الرِّبَا، وَلَا شُرْبَ الْخَمْرِ، وَلَا الْفَوَاحِشَ، وَلَا نُجَاهَدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا نَضْرِبُ الْجِزْيَةَ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَنَحْوُ ذَلِكَ. قُوتِلُوا حَتَّى يَفْعَلُوا ذَلِكَ .كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾. وَالرِّبَا آخِرُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَكَانَ أَهْلُ الطَّائِفِ قَدْ أَسْلَمُوا وَصَلَّوْا وَجَاهَدُوا، فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ الرِّبَا، كَانُوا مِمَّنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ ، قَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ : كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ؟ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" "أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ. فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَلَمْ يَقُلْ: إلَّا بِحَقِّهَا؟ . وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهِ. قَالَ عُمَرُ: فَوَاَللَّهِ مَا هُوَ إلَّا أَنْ رَأَيْت اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَلِمْت أَنَّهُ الْحَقُّ" .
وقال -رحمه الله- لما سئل عن التتار:

"الْحَمْدُ لِلَّهِ كُلُّ طَائِفَةٍ مُمْتَنِعَةٍ عَنْ الْتِزَامِ شَرِيعَةٍ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ؛ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ يَجِبُ قِتَالُهُمْ، حَتَّى يَلْتَزِمُوا شَرَائِعَهُ وَإِنْ كَانُوا مَعَ ذَلِكَ نَاطِقِينَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمُلْتَزِمِينَ بَعْضَ شَرَائِعِهِ، كَمَا قَاتَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَالصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- مَانِعِي الزَّكَاةَ. وَعَلَى ذَلِكَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ بَعْدَهُمْ بَعْدَ سَابِقَةِ مُنَاظَرَةِ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. فَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- عَلَى الْقِتَالِ عَلَى حُقُوقِ الْإِسْلَامِ عَمَلًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عَشَرَةِ أَوْجُهٍ الْحَدِيثُ عَنْ الْخَوَارِجِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ مَعَ قَوْلِهِ : "تُحَقِّرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ". فَعُلِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ الِاعْتِصَامِ بِالْإِسْلَامِ مَعَ عَدَمِ الْتِزَامِ شَرَائِعِهِ لَيْسَ بِمُسْقِطِ لِلْقِتَالِ . فَالْقِتَالُ وَاجِبٌ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَحَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ . فَمَتَى كَانَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ فَالْقِتَالُ وَاجِبٌ. فَأَيُّمَا طَائِفَةٍ امْتَنَعَتْ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ أَوْ الصِّيَامِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ عَنْ الْتِزَامِ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالْمَيْسِرِ أَوْ عَنْ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ أَوْ عَنْ الْتِزَامِ جِهَادِ الْكُفَّارِ أَوْ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وَاجِبَاتِ الدِّينِ وَمُحَرَّمَاتِهِ -الَّتِي لَا عُذْرَ لِأَحَدِ فِي جُحُودِهَا وَتَرْكِهَا- الَّتِي يَكْفُرُ الْجَاحِدُ لِوُجُوبِهَا. فَإِنَّ الطَّائِفَةَ الْمُمْتَنِعَةَ تُقَاتَلُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُقِرَّةٌ بِهَا. وَهَذَا مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الطَّائِفَةِ الْمُمْتَنِعَةِ إذَا أَصَرَّتْ عَلَى تَرْكِ بَعْضِ السُّنَنِ كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ -عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِهَا- وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الشَّعَائِرِ. هَلْ تُقَاتَلُ الطَّائِفَةُ الْمُمْتَنِعَةُ عَلَى تَرْكِهَا أَمْ لَا؟ فَأَمَّا الْوَاجِبَاتُ وَالْمُحَرَّمَاتُ الْمَذْكُورَةُ وَنَحْوُهَا فَلَا خِلَافَ فِي الْقِتَالِ عَلَيْهَا" .
وسئل -رحمه الله- عن قوم ذوي شوكة لا يقيمون الشرائع هل يجوز قتالهم؟ فأجاب:

"نَعَمْ. يَجُوزُ؛ بَلْ يَجِبُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قِتَالُ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ مُمْتَنِعَةٍ عَنْ شَرِيعَةٍ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ؛ مِثْلُ الطَّائِفَةِ الْمُمْتَنِعَةِ عَنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ إلَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ -الَّتِي سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ- أَوْ عَنْ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ الَّذِينَ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ سَفْكِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ أَوْ لَا يَتَحَاكَمُونَ بَيْنَهُمْ بِالشَّرْعِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَكَمَا قَاتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْخَوَارِجَ" .
الفصل الثانى
المادة 31 من الدستور

***
عنون الدستور للمادة 31 بعنوان (أسلوب الحياة الإسلامي).
ونصت على:
"(1) سوف تتخذ الخطوات التي تمكن المسلمين في باكستان، فردياً وجماعياً، من أن يرتبوا حياتهم تبعاً للمبادئ الأصيلة والمفاهيم الأساسية للإسلام، وتوفر الوسائل، التي بها يتمكنون من أن يفهموا معنى الحياة تبعاً للقرآن الكريم والسنة.
(2) ستسعى الدولة فيما يتعلق بالمسلمين في باكستان لأن:
(أ) تجعل تدريس القرآن الكريم والإسلاميات إجبارياً، وتشجع وتسهل تدريس اللغة العربية، وتضمن الطباعة الصحيحة والمدققة للقرآن الكريم ونشره.
(ب) تعزز الوحدة والتزام الأنماط الخلقية الإسلامية.
(ج) تضمن التنظيم السليم للزكاة (العشر) والأوقاف والمساجد" .

إذا تأملنا في صياغة تلك العبارة فسنجد:
أ- أنها تتحدث عن وعد سوف تقوم به الدولة الباكستانية، ومن المعلوم أن الذي يقول سأحكم بالشريعة، أو سأقيم الصلاة، أو سأؤدي الزكاة، لا يعد حاكماً بالشريعة، ولا مقيماً للصلاة، ولا مؤدياً للزكاة.
وقد كانت هذه المادة موجودة بصورة قريبة الشبه في دستور باكستان لعام 1956 . وبعد أكثر من خمسين سنة لا زالت الوعود تنتظر الوفاء!!

ب- أيضاً استخدمت الصياغة عبارة "المبادئ الأصيلة والمفاهيم الأساسية للإسلام". ولم تستخدم عبارة (أحكام الإسلام). ومبادئ الإسلام ومفاهيمه الأساسية مثل الصدق والعدالة والوفاء والأمانة والعفة وعدم العدوان ومقاومة الظلم قد يشترك فيها الإسلام مع كثير من الشرائع التي يختلف في أحكامه معها .
الفصل الثالث
المادة 38 من الدستور

***
وقد نصت هذه المادة على:
"أن الدولة سوف تقضي على الربا بأسرع ما يمكن" .
وقد كانت هذه العبارة موجودة في دستور 1956 .
وبعد أكثر من خمسين سنة لا زال الربا منتشراً في باكستان،كما مر بنا، ويمر إن شاء الله.
الفصل الرابع: محكمة الشريعة الاتحادية الفصل 3أ (المواد 203A حتى 203J)


أ- تنص المادة 203
B على التعريفات المستخدمة في هذا الفصل، فتقول:
"(قانون) يتضمن أي تقليد أو عرف له قوة القانون، ولكن لا يتضمن الدستور وقانون الأحوال الشخصية للمسلمين، وأي قانون يتعلق بإجراءات أية محكمة أو هيئة قضائية، وأيضاً -حتى انتهاء عشر سنين من بداية العمل بهذا الفصل- أي قانون مالي أو أي قانون يتعلق بفرض أو جباية الضرائب والرسوم أو الممارسات والإجراءات البنكية والتأمينية" .

وبالتأمل في هذه المادة يتبين لنا مدى مكر وتلاعب وخبث الصياغة في الدستور، التي لازمته من أسطره الأولى:

(1) فبعد أسطر قليلة من بداية الفصل سارع صائغو الدستور بسلب محكمة الشريعة الفيدرالية صلاحيات في غاية الخطورة حولتها لمحكمة عاجزة عن تحكيم الشريعة:

(أ) فقد حرمت المادة محكمة الشريعة من النظر في الدستور، ومن هذا يتبين:

[1] عجز وقصور محكمة الشريعة الاتحادية، فالدستور هو أبو القوانين كما يقولون، وهو مصدر التشريع لديهم. إذن فمصدر التشريع ليس لمحكمة الشريعة الحق في النظر فيه.
بينما المحاكم العليا والعالية في باكستان تملك تفسير نصوص الدستور، وقد مر بنا من قبل مناقشات المحاكم العليا والعالية للمادة 2أ والمادة 270أ والمادة 45

[2] وقد مر بنا أن الدستور يحتوي على تناقضات واضحة مع الشريعة الإسلامية، اعترفت ببعضها المحاكم الباكستانية. ولكن محكمة الشريعة لا تملك أن تنطق بحرف عنها.

[3] وبينما لا تستطيع محكمة الشريعة النظر في الدستور يملك الدستور التحكم التام المطلق في محكمة الشريعة، فقد مر بنا أن المادتين 238 و239 من الدستور تعطيان أعضاء البرلمان الحق المطلق دون رقيب أو حسيب في تعديل وتبديل وتغيير وإلغاء ما يشاءون من أحكام الدستور، فيملك ثلثي أعضاء البرلمان مثلاً أن يحولوا محكمة الشريعة إلى محكمة مكافحة الشريعة ولا تثريب عليهم، فهم أصحاب الحق في التشريع والتقنين، وهذا مثال واضح يدل على:

[أ] أن الشريعة ليست هي المرجعية العليا في باكستان، وإنما المرجعية العليا هي رغبة الأغلبية في البرلمان، التي يزعمون أنها تعبر عن إرادة الشعب وحاكميته، وسواء كان ما يزعمونه حقاً أو غير حق فالمؤكد أن الحاكمية العليا في باكستان ليست للشريعة ولا للقرآن الكريم والسنة المطهرة، وإنما هي لقوى أخرى تنحرف بباكستان عن الإسلام، وتتلاعب بمصيرها حسب أهوائها.

[ب] ويدل أيضاً هذا المثال على عجز الوسائل التي اخترعها الدستور عن إنشاء النظام الإسلامي والدولة الإسلامية -التي تدين بالحاكمية للشريعة والقرآن والسنة- في باكستان.

(ب) كما حرمت محكمة الشريعة من النظر في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، ولا أدري ما حل هذا التناقض في جمهورية باكستان الإسلامية؟ التي يزعم البعض أن نظامها وقانونها إسلامي. فإذا كانت محكمة الشريعة لا تستطيع النظر في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، ففي قانون من للأحوال الشخصية ستنظر؟ قانون الأحكام الشخصية لمشركي العرب أم لفرعون مصر أم لليهود في إسرائيل؟ وشر البلية ما يضحك كما يقال.

(ج) كما حرمت محكمة الشريعة من النظر في أي قانون يتعلق بإجراءات أية محكمة أو هيئة قضائية. وهذا يفتح الباب واسعاً للتلاعب والانحراف عن أحكام الشريعة، فقوانين الإجراءات التي تتحكم في مسائل في منتهى الخطورة، مثل قبول الدعاوى أو رفضها، والاختصاص وعدمه، والشهادة، والتوكيل، وأدلة الإثبات، ووسائل إثبات الجريمة، وحق المحكمة في تفسير القانون والدستور، والحق في نقض الأحكام وتعديلها وغيرها من المسائل الخطيرة، لا تملك محكمة الشريعة النظر فيها، وهذا يؤكد الحقيقة المرة أن هناك قضائين في باكستان، قضاء عاجز ضعيف قاصر النظر لدى محكمة الشريعة، وقضاء علماني في معظم محاكم باكستان.

(د) كما حرمت محكمة الشريعة من النظر -لمدة عشر سنين- من النظر في القوانين المالية والضريبية والشؤون البنكية والتأمينية. ولا أدري إن كان هذا الحظر سارياً حتى الآن أم لا؟ ولكن المؤكد أن الربا وأحكامه وقوانينه لا زالت شائعة في باكستان. وواضح ان هذا الحظر المستفيدة الأولى منه هي الطبقة الحاكمة في باكستان، حتى تحمي فسادها المالي وجشعها وارتباطاتها الداخلية والخارجية.
ب- المادة 230C تحدثت عن تشكيل محكمة الشريعة الاتحادية ، وألاحظ عليها ما يأتي:

(1) الفقرتان (3) و(3
A) تحدثتا عن مؤهلات القضاة ورئيس المحكمة، ولم تذكر من ضمنها العدالة، وهو شرط أجمع عليه علماء المسلمين بلا خلاف.

وبالإضافة لما يمثله هذا التغافل من مخالفة للشريعة في اختيار قضاة محكمة الشريعة، فللقارئ أن يتصور مدى الفساد الذي يمكن أن يحدثه اختيار قضاة لا يشترط فيهم العدالة للنظر في موافقة القوانين ومخالفتها للشريعة الإسلامية، فإذا تبين للقارئ أن الفقرة (2) من نفس المادة تنص على أن الرئيس هو الذي يعين القضاة ورئيسهم فيتضح له حينئذ مدى أبعاد الفساد والجور اللذين يمكن أن يلحقا بتلك المحكمة إذا اختار رؤساء من أمثال مشرف وزرداري قضاة -لا يشترط فيهم العدالة- لمحكمة الشريعة.

(2) والفقرة 4
B من هذه المادة تخول الرئيس حق تحديد شروط تعيين القضاة أو أن يعين للقاضي منصباً آخر أو يضيف له وظائف أخرى، وأنا أقدم هذه الفقرة للقارئ بدون تعليق كمثال على التلاعب الذي وفرته نصوص الدستور للرؤساء وخاصة من أمثال مشرف وزرداري في أعمال محكمة الشريعة

(3) الفقرة 7 من هذه المادة تطلب من القاضي أو رئيس المحكمة أن يقسم قسماً أمام الرئيس أو من يعينه قبل استلام منصبه . وفي هذا القسم ليس هناك أي ذكر للشريعة ولا للقرآن ولا للسنة، وإنما يقسم القاضي أو رئيس المحكمة أن يؤدي أعماله وفقاً للقانون، وفي هذا من الفساد ما يأتي:

(أ) كيف يقسم مسلم على اتباع قانون مملوء بمخالفة الشريعة ومناقضتها؟ ألم تنشأ محكمة الشريعة لتخليص القانون من مخالفاته للشريعة؟ فهذا القسم حرام شرعاً.
(ب) هذا القسم متناقض. إذ كيف يقسم شخص على متابعة قانون قد طلب منه تصحيحه وتنقيته؟
د- المادة 203H تذكر أنه بالنسبة لأية إجراءات قضائية جارية أمام أية محكمة أخرى غير محكمة الشريعة، فإنه لا يجوز تأجيل تلك الإجراءات أو تعطيلها بسبب أن هناك دعوى مرفوعة أمام محكمة الشريعة للطعن في شرعية قانون يتعلق بالقضية المنظورة أمام تلك المحكمة، وأن الإجراءات ستستمر ويتم الحكم فيها حسب القانون الساري في ذلك الوقت.

وكذلك لا تملك محكمة الشريعة ولا المحكمة العليا فيما يتعلق باختصاص محكمة الشريعة أن تصدر أية تعليمات أو أمر مؤقت فيما يتعلق بأية إجراءات منظورة أمام أية محكمة أخرى .

أي أن الدستور يقر بأن هناك نظامين للقضاء في باكستان، نظام أساسي غالب وهو القضاء العلماني، الذي لا تملك محكمة الشريعة التدخل في إجراءاته، ونظام ضعيف تابع قاصر تمثله محكمة الشريعة، التي أنيط بها النظر في موافقة القوانين للشريعة الإسلامية، ولا زالت القوانين المخالفة للشريعة بعد خمس وثلاثين عاماً من إنشائها تنتشر وترتع وتتكاثر في باكستان.
ز- وأخيراً قد يقال إن كل ما ذكر عن قصور محكمة الشريعة وعجزها عن تحويل باكستان لدولة إسلامية ذات نظام إسلامي وتدني مرتبتها في النظام القضائي...إلخ صحيح، ولكن هي خطوة على الطريق فماذا تنقمون منها؟

فالجواب نحن لا ننقم منها أن تحكم على بعض القوانين بمخالفتها أو موافقتها للشريعة، ولكننا نأخذ عليها أموراً:

(1) أن تتخذ دليلاً على إسلامية النظام في باكستان.
(2) أن تتخذ دليلاً على أن التغيير في باكستان يجب أن يأتي من داخل النظام وعبر قوانينه ودستوره.
(3) أن تتخذ حجة ضد من يعمل على مقاومة ذلك النظام الخارج عن الإسلام بيده ولسانه.

ولكي ألخص الانتقادات أضرب لباكستان مثالاً بمريض بسرطان خطير يسبب له آلاماً مبرحة أعطاه إنسان حبة من الأسبرين، فانتقده آخر، فقال له الأول: لماذا تنتقدني؟ إني أحاول أن أخفف عنه، فقال له الآخر: إني لا أنتقد إعطاءك الأسبرين، ولكني أنتقد أن تتصور أن الأسبرين سيخفف آلامه، وأن تتصور أن مرضه بسيط سيعالجه الأسبرين، وأن تشنع على من يريد أن يعالجه علاجاً جذرياً يحتاج لجد وجهد ومتابعة يستأصل به ذلك السرطان.

------
(م.ج)

وقد ذكر د أيمن الظواهرى من قبل هذا المثال السابق فى تعقيبه على الرد على فضيلة الشيخ الفاضل سيد امام فى وثيقة الترشيد فى رسالته الطيبه بعنوان - التبرئة- ( تبرئة أمة القلم و السيف من تهمتى الخوار و الضعف).

و قد كان هذا من أجل التدليل على أن الاصلاح الجزئى لنظام مبارك لن يؤتى ثمارة. و أن المشاركة فى ترقيع هذا النظام الفاسد لن تؤتى بشىء.

و أن النظام قد وصل إلى مرحله كما ذكر أقرب إلى السرطان الخبيث الذى لا علاج له الا بالبتر و ازالته .

و فى هذا رساله و اضحه تؤكد على موقف الأخوة الواضح من هذا النظام الذى للأسف سقط كثير من الأخوه فى فخ الترقيع و المشاركه الجزئيه فيه و صد الشباب عن جهاده و مفاصلته . فكان هذا من أقوى الأسباب التى ساعدت فى تثبيت أركانه لمدة 30 عام. و لو كانت المفاصلة من أول يوم ما أستمر هذا النظام طوال هذه الفترة

لكن لله حكم فى كل أمر و هى التمحيص و البلاء قبل التمكين


اللهم نصرك لعبادك الموحدين
الفصل الخامس :القسم التاسع من الدستور: الأحكام الإسلامية (المواد من 227 إلى 231)


في ذلك القسم الذي عنون بعنوان (الأحكام الإسلامية) وردت عدة مواد أعلق عليها:
أ- المادة 227.
وهي أهم مادة في هذا القسم، وجاء فيها:
"كل القوانين الموجودة سُتجعل موافقة لتعاليم الإسلام كما جاءت في القرآن الكريم والسنة.....، وسوف لن يسن قانون مخالف لتلك التعاليم" .
وأعلق على ذلك فأقول:

(1) إن الصياغة في هذه المادة كتبت بصيغة المستقبل، وهو وعد لم يتحقق بعد.

مثل وعد ( دستور 1956 - المادة 227 في الدستور الحالي - قرار الأهداف الذي وضع في مارس 1949- الوعد في المادة 31 (أسلوب الحياة الإسلامي) - الوعد في المادة 38 )

إذن فنحن أمام وعود لم تتحقق منذ ستين سنة، أو إن شئت التدقيق؛ أمام خداع واستخفاف بمشاعر المسلمين منذ ستين سنة. ومن المعلوم أن الذي يقول سأسلم بعد شهر أو في أقرب وقت، أو سأصلي عند أقرب فرصة مناسبة أو بعد أسبوع، لا يعد مسلماً ولا مصلياً. وكذلك الذي يقول سأُحكِّم الشريعة، لا يعد محكِّماً للشريعة حتى يحكِّمها، يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ النساء 65.

(2) وكذلك حرص كاتبو الدستور -بنية لا أحسبها سليمة- أن ينصوا في هذه المادة على (القوانين) فقط، ولم يذكروا حرفاً واحداً عن الدستور، الذي يحتوي على مواد تناقض الإسلام أقرت المحاكم ببعضها. إذن فهذه المادة لا تتعرض للدستور، الذي هو أصل الانحراف التشريعي في باكستان.
ب- مجلس الفكر الإسلامي .

تتحدث المواد الباقية في هذا الفصل (228 إلى 231) عن تشكيل ووظائف مجلس الفكر الإسلامي. الذي يعين أفراده الرئيس. وتتحدث المادة 230 عن وظائف ذلك المجلس وهي في إيجاز
:

- أن يقدم توصيات للبرلمان وللمجالس الأقليمية عن الوسائل والسبل التي تمكن المسلمين في باكستان، فردياً وجماعياً، من أن يرتبوا حياتهم تبعاً للمبادئ الأصيلة والمفاهيم الأساسية للإسلام، وهو نفس نص الوعد في المادة 31 (أسلوب الحياة الإسلامي)، والتي كانت موجودة بصورة قريبة الشبه في دستور باكستان لعام 1956 .
- أن ينصح البرلمان أو المجالس الأقليمية أو الرئيس أو حاكم الإقليم بالنسبة لأي سؤال يطرح على المجلس بشأن موافقة أو مخالفة أي قانون مقترح لتعاليم الإسلام.
- أن يقدم توصيات حول وسائل جعل القوانين السارية موافقة للشريعة، والمراحل التي يمكن أن تُفعل بها تلك الوسائل.
- أن يصيغ في صورة ملائمة -لإرشاد البرلمان والمجالس المحلية- تعاليم الإسلام التي يمكن أن تنفذ كتشريعات.
- أن يقدم المجلس تقريراً نهائياً خلال سبع سنوات من بدء عمله، وتقريراً سنوياً مؤقتاً. وسيناقش ذلك التقرير أمام البرلمان والمجالس الإقليمية خلال ستة أشهر من تسلمه، على أن يسن القوانين المستفادة منه خلال سنتين.
أي بناء على هذا التسويف كان مفروضاً أن تعم الشريعة الإسلامية باكستان بحلول عام 1981.

إذن فنحن أمام مجلس لا يملك إلا التوصيات، وأمام تكرار ممل ممجوج لوعود زائفة من طبقة سياسية فاسدة تتلاعب بالمشاعر الإسلامية للجماهير المسلمة، لكي تستمر في الحكم والصراع على مغانمه، أما الشريعة فتحكيمها ينتقل من وعد زائف لتعهد كاذب.

وهذا يذكرني بالفكاهة المشهورة عن مولانا بجلي كر حين قال في بشاور في عهد ضياء الحق: لو كانت الشريعة قد ركبت رِكشا من كراتشي لكانت قد وصلت إلينا منذ زمن بعيد!

وفي ختام هذه الوريقات أود أن يتسع صدر القارئ لبعض الملاحظات

فى وقت لاحق بإذن الله
باكستان
لا اله الا الله
بعض الملاحظات فى الختام

1- لقد تعرضت شبه القارة الهندية كغيرها من ديار المسلمين لظاهرة تكررت في التاريخ المعاصر، ألا وهي ظاهرة سرقة التضحيات، وتولي زمام القيادة فئات لا تعبر عن عقيدة الأمة وأمالها وتضحياتها، ولا توفي بوعودها، ولا تفي لتضحيات أمتها.

فبعد انكسار حركة السيد أحمد الشهيد رحمه الله، ثم فشل حركة شيخ الهند وسيد حسين أحمد مدني -رحمهما الله- في استمداد العون من الدولة العثمانية وأسرهما في مالطا في الحرب العالمية الأولى، بدأت تنتشر بين المسلمين في الهند حركة عامة تدعو للاستقلال عن الهندوس كسبيل للخلاص من الظلم والاضطهاد، ولكن هذه الحركة شملت أخلاطاً وأوشاباً، ضمن الحركة الإسلامية الشعبية الداعية للاستقلال.

وكان من هؤلاء فئات تربت على ثقافة الانجليز وانبهرت بمدنيتهم، وقد دفعهم لذلك عوامل عدة منها:

أ- الانكسار العسكري لحركات المقاومة والمدافعة الجهادية الإسلامية، وقد جلبت الطباع على الإعجاب بالقوة والأقوياء.

ب- نشوؤهم على تعليم الإنجليز ومناهجهم، والمرء أسير ما تربى عليه.

ج- فساد أحوال العالم الإسلامي سياسياً واجتماعياً وعلمياً، وانتشار الظلم والجور والجبروت والأثرة وتولي السلطة بالغصب والقهر، وكبت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانتشار النفاق والمداهنة والتملق والمحاباة وعدم الإنصاف، وجمود كثير من العلماء على التقليد والعزوف عن التعرض لعلاج مشاكل الأمة.

د- تصديقهم لأكاذيب الغرب والإنجليز بأنهم أهل الحرية والعدالة والمساواة، ورفع الظلم عن المظلومين، ويشهد الله أن تاريخ الدنيا ما رأى أفسد ولا أظلم من دولهم، ثم تصديقهم بأنهم ما بلغوا ما بلغوه من قوة وسلطان إلا بتركهم للدين وحصره في دور العبادة والأديرة.

وهذه الفئات بما أشربته من خلط في عقائدها وتصوراتها حاولت أن تجذب الأمة قدر ما تستطيع نحو المدنية الغربية، ولكن لما كانت حركة استقلال المسلمين في الهند ذات طبيعة خاصة تميزها عن كثير من حركات الاستقلال في العالم الإسلامي، فهي حركة قامت لإنشاء دولة إسلامية تحافظ على حرمات المسلمين، وتصون حقوقهم. أقول؛ لما كان ذلك، كان لا بد لهذه الفئات ألا تظهر علمانيتها وافتتانها بالغرب بصورة فجة مصادمة لمشاعر الأمة، فسعت لأن تلتف حول مشاعر المسلمين بأن تقدم لهم وعوداً عامة غير محددة، ثم تسلبهم باليسار ما تمنحهم باليمين، وتسوف في كل الوعود - التي قطعتها على نفسها- بتحكيم القرآن والسنة. وهكذا ولد الدستور الباكستاني والدولة الباكستانية.

--------
(م.ج)

أنظر إلى هذا التحليل الذى ساقه د أيمن الظواهرى، ثم بعد ذلك أنظر إلى مل التجارب الاسلاميه فى كل البلاد و ما جرى فيها و التشابه الواقع دائما فى مسأله قطف الثمار

تلك الثمار التى زرعها و راعها و سقاها المجاهدون بدمائهم ثم اتى احفاد الغرب بقطفها، أنظر إلى الشيشان اليوم التى على رأسها عدو الله رمضان قديروف( مرتدوف) و حاشيته الذين يعيثوا فى البلاد فسادا فأين تضحيات الامام شامل و القائد دوديف و القائد عربى براييف و خطاب و السيف

أنظر الى البوسنه و النظام العلمانى متحكم بها فأين تضحيات أنور شعبان و أبو الزبير المدنى و على عزت بيجوفيتش هل هذه البوسنه التى ضحى الالاف الشباب المسلم فى سبلي ان تتحر من ربقة الصرب

و أنظر الى مصر اليوم و ما الت اله و تضحيات الشباب المسلم ضد الانظمة العلمانية التى تولت حكم هذه البلاد

لكن الشاهد هنا هو تلك النخب فى جميع البلاد الاسلاميه و سر تيعيتها الاجراميه للغرب المجرم و عدم رؤيتهم لحقيقة الغرب و سعادتهم بحصولهم على تأشيرة سفر الى اوربا او المكوث فى امريكا و ان كان من أهل السعاده اذا حصل على الجنسيه من احدى تلك الدول ، ثم فى النهايه التلون حال القدوم الى بلاد المسلمين و الخوف من التصريح بعقائدهم الفاسده لانه مازال فى أهل الاسلام خير و لن يقبلوا بهذا الفساد، بل التلون باسم الحرص على الدين و ان الدين مقدس و ان الدين قيمه و كل هذا من أجل حجر الدين عن العمل و الفاعليه فى المجتمع بصدق
لواقع باكستان اليوم بعد ستين سنة من إنشائها. إلى ماذا وصلت؟ أو بالأحرى إلى ماذا تدهورت؟


تحولت باكستان لمؤسسة خدمات للجيش الأمريكي وأجهزة الأمن والاستخبارات الأمريكية, وتحول القادة والسياسيون فيها إلى متنافسين على إثبات ولائهم لأمريكا والغرب في حربه الصليبية الجديدة على الإسلام باسم الحرب على الإرهاب. وتمت التضحية من أجل نيل رضا الأمريكان بكل شيء بما في ذلك عقيدة الإسلام و(نظرية باكستان).

ولم تكتف الطبقة الحاكمة في باكستان منذ إنشائها بكتابة دستور غربي النزعة، يتضمن وعوداً بتطبيق أحكام الإسلام لا حقيقة لها ولا واقع، بل أدرجت في هذا الدستور -بمراحله المتتالية- نصوصاً تحمي فسادها وإفسادها.

وبذلك أصبحت الرشوة أحد أهم عوامل تحريك وإدارة السياسة وشؤون البلاد، فكلما جاء حاكم استخدم أموال الأمة في رشوة النواب والساسة، وحشدهم حوله، ثم يستصدر من هؤلاء النواب قرارات بتعديلات دستورية تحميه من أية مساءلة.